للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحملنكم كما فسره قتادة ونقل عن ثعلب والكسائي. وقال الفراء وأبو عبيدة: المعنى لا يكسبنكم و (جرم) جار مجرى (كسب) في المعنى والتعدي إلى مفعول واثنين يقال: جرم ذنبا: كسبه: وجرمته ذنبا: كسبته إياه. خلا أن جرم يستعمل غالبا في كَسْبِ ما لا خير فيه وهو السبب في إيثاره هاهنا على الثاني وأصل مادته موضوعة لمعنى القطع لأن الكاسب ينقطع لكسبه، وقد يقال: أجرمته ذنبا على نقل المتعدي إلى مفعول بالهمزة إلى مفعولين، كما يقال: أكسبه ذنبا وعليه قراءة عبد اللَّه (لَا يَجْرِمَنَّكُمْ) بضم الياء.

أقول: تضمن (جرم) معنى (حمل) والمتعدي بـ (على) قال الشاعر:

ولا أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

فلا تحملنكم البغضاء على الجور والعسف والجريمة، فالعدل المطلق لا يميل مع الود ولا مع الكره. هو العدل المنبثق من العقيدة والبعيد عن المؤثرات الخارجية. لقد نهاهم عن الاعتداء على من صدوهم عن المسجد الحرام، والآن يحملهم على العدل مع المشنوئين المبغوضين، وهو تكليف أصعب وأشق من سابقه. ليربيهم على ضبط النفس ويكون سلوكهم منسجما مع مبادئ عقيدتهم ذات السلطان على الضمائر والنفوس. وإذا كان المراد هو حملهم على العدل حتى مع المشنوئين، وإن بالغوا في إيحاشهم، فلماذا جاء التعبير بفعل (جرم) بدلا من (حمل)؟ لعله أراد أن يشعرهم بالوقوع في الجريمة متى استجابوا لعاطفة وُدّ أو كُره. فيكون ما اختاره أوقع في النفس من رسيله وأبلغ في تربيتها من حميله.

ثم استأنف فقال: (اعدلوا) ثم ذكر علة الأمر بالعدل فقال: (هُوَ أَقرَبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>