على قلوب من أحب الجهاد في كل عصر إلى قيام الساعة، وفي صيغة المصدر ليفيد الثبوت فلا تتحول عنه القلوب العاشقة للفداء فتميل إلى الدنيا.
وهاهو سليمان عليه السلام - القائد العسكري - يستعرض خيوله التي أحب فيها الصفون والجَودة، وحبه لها كان تفسيرا لحقيقة وجوده، فيصل ما وراء الحياة بما له صلة بالحياة. أجل حبه لها صادر عن ذكر ربه فماذا وراء ذكر ربه؟ اللفظ المفرد في كتاب الله يتحول إلى قصة، واللمحة السريعة تكشف عن حقيقة، وتلك طريقة القرآن الكريم: يضع في اللفظ إشعاعا يضيء، يديره على طريقة يثير بها مكامن الخيال لتأخذ النفس منه ما تشاء وتترك.
وهكذا تبقى كل حقيقة: كالإيمان، والخير، وذكر الله، مع كثرة صورها الموحية بحاجة في كل عصر إلى كتابة جديدة من أذهان مبدعة.
فذكر ربه هو العمل بكتابه، وهو طاعته في جهاد عدوه، وهو الإعداد للمَهمَّة الضخمة لمواجهته، وهو استعراض ما لديه من قوى عسكرية لمنازلته، وكل ذلك لتكون كلمة اللَّه هي العليا، وإزالة دولة الباطل هي المبتغى، ويكون الباطل دوما ذليلا زهوقا.
ولن يفهم القرآن إلا من يتحرك في مثل حركته عليه السلام في مواجهة الباطل لتقرير حاكمية الله في الأرض ومطاردة كل حاكمية معتدية مغتصبة.
ويستمر العرض العسكري لخيوله عليه السلام فقد أمر الرائضين بإعدائها وتسييرها، وتبقى الأبصار معلقة بالمشهد المعروض والأعصاب مشدودة حتى توارت بالحجاب، غابت عن بصره، وعندها قال: ردوها عليَّ، لماذا؟ كأنها شبت في نفسه شبابا، وكَسَبَت روحه قوة، وصنعت في أعصابه صناعة فريدة، فراح يباركها، ويمسح على أعناقها وسوقها لاختبار أصالتها فلما كشف ذلك