فإن تسألوا عني فيا رب سائل ... حفي عن الأعشى به حيث أصعدا
عُدي الوصف بـ (عن) اعتبارا لأصل معناه وهو السؤال والبحث، وقيل لأنه ضمن معنى الكشف ولولا ذلك لعدي بالباء.
أقول: لعل تعليق (عنها) بـ يسألونك أرجح من سواه وصلة (حفي) محذوفة كما أشار أبو حيان وأحرى من أن يزل في معرةِ التعاور والتناوب: عنها أي بها أو تضمين (حفي) معنى (كاشف أو ملحف أو مبالغ) ... ، وما جاءت (كأنك) إلا على وجه من الاستخفاف بظنهم فيه حين حَسِبوه على علم بها أو مهتما بالبحث عن التعرف على حالها، ولم يدركوا أن أمر الغيب بيد اللَّه لا يُطلع على غيبه أحدا، ولم يدركوا كذلك أدب الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مع ربه في أمر الغيب، وفي مقام العبودية. ولعل تأخير صلة يسألونك إنما كان لمجرد التنغيم الصوتي ومراعاة للتناسق الفني في الإيقاع الموسيقي ثم لا يكون تقديم أو تأخير إلا لفائدة، فتأخير صلة يسألونك فيه توبيخ للسائلين عن سؤالهم لأنهم يستخفون بها أو بالمسؤول عنها أو بهما معا، فهو صلوات اللَّه عليه لا يعرفها ولا يشغل نفسه بمعرفتها ما دامت من اختصاص مولاه الجليل، وقد أخفاها عن خلقه. هذا في تأخير الصلة وأما في حذفها من حفي فأفصحُ من ذكرها، ولن تجد في الإثبات بلاغة كالذي في الحذف. وهل ذهب ظنهم به عند سؤاله عنها إلا إلى اهتمامه بها؟! فلا سبيل إلى هذه اللطيفة إلا بحذف الصلة وترك ذكرها. وهكذا يكون الحذف مع التقديم والتأخير سبيلا إلى لطائف ممتعة. فلا تضمين إذا في الآية.
وكذلك في بيت الأعشى لا تضمين وإنَّمَا فيه تقديم وتأخير.