وقال أبو حيان: قال قوم: ضمن (حقيق) معنى (حريص) وقال أبو الحسن والفراء والفارسي: (على) بمعنى (الباء) كما أن (الباء) بمعنى (على) في قوله: (وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ) أي على صراط ويشهد بهذا الوجه قراءة أُبي؛ (بأن لا أقول) قال الأخفش: وليس ذلك بالمطرد: لو قلت: ذهبت على زيد تريد بزيد لم يجز.
أقول: الحرف لا يسلك مسلك التضمين لأن مفهومه غير مستقل بنفسه فمن قال (على) بمعنى (الباء) فتحاماه ولا تحفل به. وإلطاف النظر في مشتقه (حقيق) وهو من مبالغات اسم الفاعل يبعث على الكشف عما استودعه اللَّه فيه من أسرار كما يتفتح عن رصيده المذخور وإيحائه المتجدد فموسى عليه السلام يجد نفسه (أمينا على) تبليغ الحقيقة التي جاء بها هو وكل رسول قبله؛ حقيقة التوحيد والتي تقضي بزوال كل نظام غيرها. كما يجد نفسه (حريصا على) إعلان هذه الحقيقة في وجه الطاغوت وفي إعلانها تحرير الإنسان من الخضوع والتبعية والعبودية لغير الله.
كما يرى نفسه ملزما بقول الحق، واجباً عليه أن يصرح بهذه الحقيقة وجوبا شرعيا، مهما كلفته من تبعات. وقد ملكت عليه جوارحه كلها فجمع التضمين الحرص والأمانة والإلزام والوجوب فأوعى، ونال بهذا مزية الإيجاز والإعجاز فأغنى.