وخضعوا، وعن مقاتل: أخلصوا، وعن الحسن: الخشوع للمخافة الثابتة في القلب.
وقال الجمل: فإذا قلت: أخبت فلان إلى كذا فمعناه اطمأن إليه.
وإذا قلت: أخبت له فمعناه خضع وخشع.
أقول: الإخبات: الخشوع (متعدٍ باللام) - السياق يعرض صورة لصفة من صفات أصحاب الجنة وفي مشهد من مشاهد القيامة: الذين أخبتوا إلى ربهم. والإخبات يتعدى باللام فعداه ربنا بـ (إلى) ليتضمن معنى الركون والتواضع والاطمئنان من غير تشك ولا قلق، بل مع هدوء نفس وسكون قلب، وأمنٍ واستقرار، ورضىً وتسليمٍ لكل ما يأتي به الله. فقد جمع التضمين إلى المحسوس - وهو المنخفض من الأرض المطمئنة - كل المعاني النفسية التي ذكرتها فاستولى بذلك على الفضل وحاز بحسن الصنعة: الرياسة والنُّبل، وهذا من عناية العرب بألفاظها، وتَسانُدِها إلى سليقتها. ولو قال: أخبتوا لربهم لما خرج الفعل عن معنى الخضوع ولجفّ الثرى ويبس ما كان مخضرا.
وهذه من وظائف التصوير الفني الذي يغلب على أسلوب كتاب اللَّه الكريم في تعبيره المعجز حين جمع التضمين إلى المحسوس: المعقول والمدرك، فنال روعة الفن، واستدعى إعجاز البيان.