اخترتك الناس إذ رثت خلائقهم ... واعتل من كان يُرجى عنده السول
وسبعين هو المفعول الأول وقومه هو الثاني وتقديره: من قومه. ومن أعرب قومه: المفعول الأول وسبعين بدلا منه فإعرابه فيه بُعد وتكلف. وإلا لقال: واختار سبعين رجلا من قومه.
أقول: وتضمين اختار معنى (تخذ) يجعل القوم كلهم ممثلين في هؤلاء السبعين وهم شيوخهم وخيرتهم وخلاصتهم، ولم يجد موسى عليه السلام من يصلح للمَهمّة التي خرج إليها إلا هؤلاء السبعين، فاتخاذه لهم يغنيه عن سواهم. أما (نخل وميز) فيما اختاره ابن القيم من التضمين فيتعدى لمفعول واحد. ولو سأل سائل: لم جاء التعبير بلفظ اختار بدلا من تخذ؟ لأجبت: ليفيد معنى الخِيَرة في الاصطفاء والانتقاء. ثم من معاني (افتعل): الاجتهاد - كاكتسب: اجتهد في الكسب - ومعناه هنا أنه عليه السلام اجتهد في الانتقاء واختيار السبعين لتصلح هذه الخِيَرة حضور الميقات. فالتضمين جمع المعنيين.
جاء التعبير القرآني اختار موسى قومه هكذا على العموم أي قومه جميعا ثم خصص فقال: سبعين، ليشير إلى أن هؤلاء السبعين هم القوم وهم الخلاصة ولا قيمة للعامّة ولا شأن للدهماء والرجراجة. أما كان إبراهيم يعدل أُمَّة؟ (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) فلو أعدنا (مِنْ) التي ادعى العديد سقوطها وانتصاب ما بعدها على نزع الخافض، لحرمتْنا من ارتشاف رحيق هذا البيان، وما فيه من خصائص الحكمة والإتقان، ولعشَت أعيننا عن سنَا إعجازه.