ذلك اليوم دينا وليس كذلك. ويكرر أبو حيان قول الزمخشري وابن عطية.
ويقول القرطبي: أعلمتكم برضاي به لكم دينا وقيل: رضيت عنكم، ويحتمل رضيت إسلامكم دينا باقيا.
أقول: تضمين (الرضا) معنى (التصيير والجعل) غير سديد يتجافى عنه السياق، فما معنى أن يصير الإسلام دينا، وماذا كان قبل تصييره؟ وتضمين (رضي) معنى (اختار) لا يستقيم لأنه لا يتعدى إلى مفعولين وعندها يصبح الدين فضلة ما دام حالاً، ولعل تضمين (رضي) معنى (وهب) أسوغ وآنس وأحكم فهو يتعدى لمفعولين، فالمنعم أتم عليهم نعمه حين وهب لهم الإسلام دينا، فهذه الهبة الربانية من تمام النعمة وكمالها، وهي رمز الرضا وعنوان المحبة، إذ كيف يهب لهم هذا الدين وهو غير راضٍ لهم إياه؟! وهل يخصني أحد بهبة غالية نفيسة إلا إذا كان في منتهى الرضا عني! جاء النص من أن هذا الدين الذي وهبه لهذه الأمة قد ارتضاه بعد أن أتمه وأكمله. ولم يدع السياق أمر الطاعة والاتباع مجملاً، بل نص على وجوب الحكم بما أنزل نصاً، وإلا فهو الكفر ... والظلم ... والفسق.
وما كان تعدي (رضي) باللام إلا صرفا لوهم السامع عن أن يقف عند حدود الرضا وحسب، بل من وراء الرضا هذه الجوهرة السنية والمنحة الإلهية والهبة الربانية ... إنها الإسلام العظيم وإنها الدين القويم. فاللَّه العليم الحكيم اختار لفظ (رضيت) وعداه باللام ليضمّ إلى عبير الهبة وشذاها، نسيم الرضا وألطافه فتروعنا بهجته، ويؤنسنا بوجهه، فتكون هذه الهبة الفوّاحة (الإسلام) ما تتمثّل به نفوسهم دينا قِيمًا وعقيدة ترسو في تصورهم ومنهجاً