للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعاناة وما يلاقيه المسافر من مشقة الأسفار، وما يكشفه ركوبه عن سهول وجبال وآكام. بل وما يكشفه ركوبه من مجاهل النفس عن منازلَ وأحوالٍ كلما ارتقت منزلة سعت لأعلى منها، وكلما كشفت حقيقة جهدت لتدرك غيرها. ومن أحوال القلب عن تقلبات ومجاهدات ومكاشفات: من رقة بعد شدة ومطاوعة بعد إباء، واتصال بعد انقطاع، وقرب بعد ابتعاد. ومن أحوال الكون عما يأتي به الليل من ظلمة بعد نور، والقمر عن اكتمال بعد نقصان، ومن طوارق الليل والنهار، وعند الختام ما يكشفه من مواطن القيامة عن حال بعد حال.

الألفاظ في هذا الكتاب المعجز موحية وخلفها سر دفين، تُلمّح بالغرض ولا تصرح. فالتضمين جرى في (تركبن) ومراده (تكشفن) المتعدي بـ عن وجاء الركوب على طرف من الملامحة لأنه وسيلة من وسائل الكشف كما أسلفت. وفيه من اللمحات والسبحات ما يستجيش في القلب أقصى المشاعر تناغيه وتناجيه. فجلَّى التضمين وجه الحكمة في اختيار هذا الفعل ... يستضيء به المعنى ويبدي لنا عن مكنونه.

جاء التضمين في ركوب الأطباق ليكشف صفحة عن هذه الكائنات تِلْوُ صفحة، وطوية عن عالم النفس إثْر طوية، ولو جاء التعبير: لتكشفن لخلا من معنى العَنَت والمشقة الموجودة في الركوب. ويبقى التضمين مصدر إثراء وعطاء في كتاب اللَّه الكريم، إن فزعت إليه حليت به وأنِقْت له. وإن تحاميته

<<  <  ج: ص:  >  >>