كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) أما إصدار الحكم من داود عليه السلام في القضية بكون الخصم ظالما بمجرد دعواه ومن غير بينة وقبل أن يسمع منه، فدليل على استثارته وتعجله. ثم أحس عليه السلام أنه سها عن طلب البينة وأنه تعجل، وأنه الابتلاء من اللَّه ... فاستغفر ربه وخرَّ راكعا وأناب.
والتعقيب على القصة، يكشف عن طبيعة الفتنة، ويحدد المقصود من الابتلاء. (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى) والهوى هو الانفعال وعدم التريث والتثبت والتبين.
ولولا (إلى) والتي لا يتعدى بها فعل السؤال لما فهمنا معنى الضم والطلب والابتغاء والرغبة. ولو قال: لقد ظلمك بضم نعجتك لفسد المعنى لأنه لم يضمها ولا أضافها وإنما طلب إليه أن يضمها إليها: (أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) فتضمين السؤال معنى الطلب والابتغاء والرغبة - لقد ظلمك بابتغاء نعجتك إلى نعاجه - دل على شرف هذه اللغة بأن اللفظ لتناشره وانبثاثه غيرُ محصور في منظور ضيق لا يخرج عنه فهو من أي عِطفَيه التفت، يجد معنى فوق معناه. هو أوفق له وأملأ به، يعطي ... ثم يعطي عن ميزة وعلى بصيرة.