أقول: نخلص من خلال ما مر إلى تصورٍ لمشهد فيه سخرية من المكذبين الذين قالوا للمؤمنين: (مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
فهم الآن مطموسة أعينهم يقتحمون الصراط، يهجمون الصراط، يتزاحمون عليه يتخبطون كالعميان، يتساقطون (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) أوليس التقحم هو الوقوع في أُهْوية من غير روية؟! تضمن استبق إذاً معنى (اقتحم) وهو يتعدى بنفسه ويصور مشهد المكذبين أحسن تصوير فلا داعي إلى الحذف والإيصال ولا إلى الإسقاط ولا إلى نصب الصراط على الظرفية. مشهد فيه من البلاء قَدْرَ ما فيه من السخرية والاستهزاء. سخرية بالمكذبين، واستهزاء بالمستهزئين حين قالوا:(مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) فهم عميان ومع العمى يستبقون الصراط، يقتحمونه يتزاحمون على العبور، يتخبطون ويتساقطون حين يسارعون متنافسين فأنى يبصرون؟ إنهم في هذا المشهد في حال تثير السخرية والهزء، وطالما يصرفنا التضمين عن كثير من. التعقيد في العبارة والحذف والتأويل والتقديم والتأخير، فإذا نحن مع سهولة العبارة، وسلامة التركيب، ومع لطف المأخذ وجودة الصنعة لا حاجة إلى المجاز ما دام مفهومه مستقلا بنفسه. ثم إن التقحم والهجوم أعون على رسم المشهد لهؤلاء المطموسة أعينهم، مشهد فيه من السخرية لهؤلاء المستهزئين ما فيه، فهم مع العمى يتقحمون ويتساقطون عند الصراط في المعبر في جهنم. فإن شدَوتَ من طريف هذه اللغة التي لا يكاد يحاط بها، فبالملاطفة والإكثاب من غير إكراه ولا إغصاب.