أقول: إنسان يُدعى إلى ملة إبراهيم عليه السلام، إلى الحنيفية السمحة، إلى الإسلام، وتتهيأ له فرصة الارتفاع ولكنه يهبط، يرغب عنها بمحض إرادته، ما أتعسه وما أشقاه! وما أبشعها من صورة وأسوأها من خاتمة، لقد سفه نفسه.
النفس العزيزة وقد كرمها اللَّه حين نفخ فيها من روحه، يمتهنها صاحبها ويحتقرها فتخزى.
وبهذا التوجيه في تضمين سفه معنى (امتهن واحتقر) يكون أدنى إلى مفهوم اللغة وأحكم في الدلالة على المراد، للتناسق مع الحالة النفسية التي يصورها، والنموذج البشري الذي يعرض له.، فالسَّفَه: خفة الحلم، أما المهانة: فضعف الرأي ومن عادة العرب أن يعطوا المأخوذ منه حكما من أحكام صاحبه عِمارة لبينهما، وتتميماً للشبه الجامع لهما.
فجمع التضمين السفاهة مع المهانة: وخفة الحلم مع الظلم فخزي في نفسه من معرته وأي ظلم لها أشد من الرغبة عن ملة إبراهيم عليه السلام عن الإسلام.
إنه التضمين: اللمحة السريعة تكشف عن حقيقة، وهي أوسع من أن تنحصر في لفظ، وإلا لما كانت حقيقة، يكتسي فيها اللفظ إشعاعاً لتعميق معناه والإبانة عن صُوَرِه، فهو هنا - أي اللفظ - من مُبُدوء الكلام ومكروهه، أبدعته حماقة السفيه وفجوره وإلحاده، وبذلك عز مطلب التضمين وبعد شأوه ...
بصير بعورات الكلام إذا التقى ... شريجان بين القوم حق وباطل