وقال الرازي: وأما قوله (هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي) فغير منطبق على سؤاله عن سبب العجلة.
أقول:(أعْجلَ) لا يتعدى بـ (عَنْ) وإنما تضمن معنى (أَبْعد) فعجلتُهُ أبعدته عن قومه. فلما سئل عن سببها (قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي) وغير بعيدين عني، لقد غلب الشوق عليه إلى مناجاة ربه بعد أن ذاق حلاوتها من قبل فهو إليها مشتاق عجول. وقف في حضرة مولاه لا يعلم ما أحدثه القوم خلفه في أسفل الجبل.
استعد لهذا اللقاء أربعين يوما ليتلقى الألواح وفيها التوجيه من ربه والذي يقيم عليه حياة بني إسرائيل بعد أن أنقذهم من ذل الفراعنة ليصوغ منهم أمة ذات رسالة.
وما كاد يتركهم في رعاية أخيه هارون حتى ينهاروا أمام أول اختبار ... إنه العجل من الذهب أضلهم به السامري وهاهم يتبعون أول ناعق إلى الوثنية، إلى عبادة العجل. والعلاقة بين المضمن والمضمن فيه سببية، فعجلته سبب في بعد قومه عنه. فجمع التضمين مع العجلة معنى البعد والذي أوحى به الحرف (عن) وقد يحمل المعنى على نقيضه كما يحمل على نظيره: أي ما أبطأهم عنك؟ ويأتي جوابه: هم أولاء على أثري، وعجلت إليك ربي لترضى.