للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا ما حمل عليه الحنفية هذه الآية، فإنهم قالوا: الإيلاء من المرأة أن يقول: واللَّه لا أقربك أربعة أشهر فصاعدا على التقييد في الأشهر، أو لا أقربك على الإطلاق. وقال القرطبي: (عزموا) العزيمة: تتميم العقد على الشيء. يقال: عزم عليه عزما وعزيمة، والعزم ما عقدت عليه نفسك من أمر أنك فاعله (وعزموا الطلاق) دليل على أنها لا تطلق بمعنى مدة أربعة أشهر كما قال مالك ما لم يقع إنشاء تطليق بعد المدة، وأيضاً فإنه قال: (سميع) يقتضي مسموع بعد المضي: وقال أبو حنيفة: سميع لإيلائه عليم بعزمه الذي دل عليه مضي أربعة اشهر. فالمولي من امرأته ليس عليه شيء حتى تمضي

أربعة أشهر فإن فاء وإلا طلق.

قال القاضي ابن عربي: تقدير الآية عندنا: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا بعد انقضائها فإن اللَّه غفور رحيم، وإن عزموا الطلاق فإن اللَّه سميع عليم تقديرها عندهم: فإن فاؤوا فيها فإن اللَّه غفور رحيم، وإن عزموا الطلاق بترك الفيئة - يريد مدة التربص بها - فإن اللَّه سميع عليم. وقد يتضمن العزم معنى الإيقاع لأنه يستلزمه غالباً.

أقول: وهذا احتمال متساوٍ ولأجل تساويه توقفت الصحابة فيه، وإذا تساوى الاحتمال كان قول الكوفيين أقوى قياسا فذلك أَجَلٌ ضربه الله، وبانقضائه انقطعت العصمة وأبِينَتْ من غير خلاف، فلو نُسي الفيء وانتقضت المدة لوقع الطلاق.

إنه التضمين ... فاقبله وأنت مطمئن إليه، فإنه أنفى للشبهة، وأمنع للشكِّ، وأدخل في اليقين.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>