وحريته وتفكيره تقع موافقة لقدر اللَّه ومشيئته المحيطة بكل شيء في تناسق وتوازن. فإذا نزل به مصاب نتيجة خطأ ارتكبه، كانت النازلة هذه من وسائل التمحيص والإعداد والتربية. وبهذا التصور تطمئن قلوب المؤمنين وهم يواجهون قدر الله، ويتعاملون مع سننه الكونية، وأن اللَّه يفعل ما يريد بهم وبمن حولهم.
(فالعلم) تضمن (الفرز والتمييز) فتعدى لواحد وَجَمَع التضمين المعنيين: العلم والفرز والكشف، علْم اللَّه الذي به يتم الفرز والتمييز والكشف. وما وقع في غزوة أحد لم ينته، فوراء المخالفة والألم تمييز المؤمنين من المنافقين، وتمحيص قلوب المؤمنين وكشف ما فيها من غَبَش، لأن الألم وسيلة من وسائل التربية والتمحيص. هذا الموقف المكشوف يحسون من ورائه أنهم أداة من أدوات القدر يفعل بها اللَّه ما يشاء.
فموقف عبد اللَّه بن سلول ومن معه كشفهم اللَّه في هذه الموقعة وميز المسلمين منهم فقد كان يرأس النفاق، فحرمه قدوم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة ما كانوا يعدونه له من الرئاسة فيهم والذي جعلهم يرفضون الاستجابة إلى عبد اللَّه بن عمرو بن حرام وهو يقول لهم (تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا) محتجين بأنهم لا يعلمون وجود قتالٍ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ).