كل عصر لا تقبل من الرسل والدعاة أن ينفصلوا بتجمعهم وقيادتهم عنها، بل تفرض عليهم أن يعودوا ليثبتوا فيها بل ليدخلوا ويذوبوا في التجمع الجاهلي ويندمجوا فيه (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) ويقول الذين لا يدركون خطر العودة أي خطر الثبوت فيهم والبقاء في تجمعهم بل خطر الاندماج في التجمع الجاهلي وفقدان شخصيتهم الإسلامية بحجة الضرورة يقولون: لندخل ولنثبت في ملتهم ونزاول دعوتنا ونخدم عقيدتنا من خلالهم. هكذا يدخلون تحت قبح الضرورة مع قدرتهم على الانفكاك منها.
إن تميز المسلم بعقيدته لا بد من أن يتبعه تميز وتحيز في تجمعه وقيادته وولائه، وتَنْحِيته للأرباب الزائفة عن مراكز القيادة والسلطة، ولا خيار له في ذلك، لأن هذه المفاصلة من لوازم العمل الدعوي كما أشارت الآيات الكريمة، إن الطواغيت لا يرضيهم أن يكون للإيمان في الأرض وجود ممثل في قاعدة أو جماعة أو حكومة لا تدين إلا لله ولا تعترف إلا بسلطانه ولا تُحَكِّم إلا شرعه، لها قيادتها ومنهجها المستمد من كتاب اللَّه وسنة نبيه، وتنبذ كل قانون أرضي ولو صدر عن هيئته أمم أو عصبة أمم ... إن وجود مثل هذه الجماعة أو القاعدة أو الحكومة يهدد طواغيت الأرض كافة فتفرض عليها
المعركة فرضا ولو آثرت ألا تخوضها معها: لنخرجنك ... أو لتعودن ... ليس غير.
إنه معلم من معالم هذا الدين واضح وجلي ولكن أكثر الناس يضعف عن احتماله لثقل تكاليفه: مطاردة وملاحقة وتضييق وتهديد في كل مكان ... يدع القصور ليعيش في الكهوف .. يأنس بما كان يستوحش منه ...