أقول: رد الإسلام نظام الإرث والديات إلى قرابة الدم والنسب، بعد أن أبطله في نظام الإخاء بين المهاجرين والأنصار حيث كان تدبيرا مؤقتا منه (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ) وأولو الأرحام بعضهم أوْلى ببعض في كتاب اللَّه من المؤمنين والمهاجرين ولكن لا يمنع أن يوصي الولي بعد مماته أو يهب في حياته لوليه في الإخاء ما شاء (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا).
وتضمين (فَعَل) معنى (أزلّ) والمتعدي بـ (إلى) أدنى إلى السياق وأَعْنى بمقام الأولياء من الإيصال والإعطاء، لما في أعطاف اللفظ من التواضع والصفاء مع اللدونة والعذوبة، تُفيض ماء البشر والبشاشة عليهم. وما جاءت (إلى) إلَّا مَنْبهة على فعل المعروف ليتسارع الناس إليه، ويخفّون إلى مُشارفته لإبقاء صِلات المودة الخالصة بين الأولياء بعد إلغاء نظام الإخاء فيوصي الولي لوليه بعد مماته، أو يَهبَه في حياته ليبقى هذا النبع الفوَّار على أُهبة الفيضان كلما استدعت الضرورة الطارئة إليه في حياة مجتمع مسلم وليد. إلا أن ترثوا إلى أوليائكم معروفاً، ليبقى النبع يفيض ويتفجّر، وتبقى الحياة مشدودة إلى آفاق وسيعة. وآثر (تفعلوا) على (تُزلوا) لأن الثاني محصور في النعم المادية، أما الأول ففي اللسان والبنان، في المادي والمعنوي.
أوليست اللغة وسيلة تساعد الفرد على تكييف سلوكه وضبطه بما يتفق مع توجيهات هذه الآيات البيّنات؟!