مقام السبب. تسيل من الدمع من أجل البكاء. وذكر القرطبي: من الدمع: أي بالدمع وهو في موضع الحال.
أقول:(تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ): (مِن) على أصلها، و (فاض) تضمن معنى (وَكَفَ) فأعين الذين سمعوا ما نزل على الرسول من الحق تفيض ... بل تكِف تعبيرا عن التأثر الشديد والعميق بمعرفة الحق فتحكي ما لا يحكيه اللسان بهذه الصورة الشاخصة بالدمع الهتون، غضَّ من نفاستها التعاور:(مِنْ) بمعنى (الباء).
ثم ينطلقون وراء الشُحْنة الحبيسة من هذا التأثر قائلين: آمنا فاكتبنا مع الشاهدين. فالوكف وقد خلَّف الفيض وراءه، سبقت مآقيه اللسان لتحكي الحالة النفسية التي كان عليها هؤلاء النفر من المؤمنين. فالذين جعلوا (من) بمعنى (الباء أو اللام أو لابتداء الغاية)، لم يُكلفوا أنفسهم مشقة البحث عما رسمه مشهد الدمع المُنهمر على الخدود في لفظ (وكف) تَروعك صورته وتبلغ حاجتَها إلى نفسك. ولو نشموا فيه وتَهيئوا له لبلغوا مُرادهم منه في معرفة وجه التأويل في صياغة هذه الحروف، وأنها ما جاءت إلا لتُظهر في السياق مزية هي أكثف عن غرضه وأبْهر في صناعته.
إنه التضمين ... لم يُنْتصَف منه:
وما أقبلت على توضيح معجزة إلا انصرفت بعجز عن تقصيها