وقال الجمل: القبول هو الرضى بالعمل والإثابة عليه، فالقبول ليس قاصرا على أفضل وأحسن عباداتهم بل يعم كل طاعاتهم. فضمن القبول معنى الرضا فعداه بـ (عن).
أقول:(عن) على أصلها وفعل تقبل الذي يتعدى بـ (مِن) عدَّاه ربنا بعن لماذا؟ ليتضمن معنى (حفي) فالله سبحانه يُخبر عن أولئك التائبين الراغبين في مرضاته الشاكرين لنعمائه أنه يتحفى ويتحرى عن أحسن أعمالهم وأفضلها فيتقبلها منهم، ليكونوا في أوائل الناجحين فالتضمين جمع المعنيين: التحفي والقبول ليفيدهما جميعا. فالمحاسب البصير يفرز بحاسوبه أحسن أعمالهم فإذا هي في ميزان الكريم تبلغ غاية ليس وراءها من نهاية. وأما سيئاتهم فيتجاوز عنها بلُطفه وكرمه حتى يُزيل عنهم التظني، وأين يجري عنهم التحري؟ في أصحاب الجنة وسكانها، فاللَّه يتحرى عنهم في أصحاب الجنة وفاءً بوعد الصدق الذي وُعِدوه في الدنيا، ولن يُخلف اللَّه وعده وهو جزاء إنعامه، ويرضى عنهم ويتقبل منهم أحسن ما عملوه ويتجاوز عن سيئاتهم.
ولو ورد التعبير بلفظ القبول متعديا بـ (مِن)(يتقبل منهم) لضاع علينا التحفي ولكن (عن) هذه منحتنا تلك اللطيفة، نتحفى عنهم ونستقصي أحسن ما عملوه، أي نبالغ في السؤال عن أحسن أعمالهم، فنتقبلها منهم.
يا اللَّه ما أكرم اللَّه ... إنها نسمات تتروح بعبير الزهر، وتتندى في نسيم السحر.
فإن أمعنت النظر في أمثالها تَكاسَيت في البحث عنها وقطفت ثمارها.