وجفا عنه، ونظيره: سقاه من العَيمة أي من أجل عطشه. وسقاه عن العَيمة: إذا أرواه حتى أبعده عن العطش.
وقال الرازي: إنه صار سبباً لمزيد القسوة، دل ذلك على أن جوهر تلك النفس قد بلغ في الرداءة والخساسة إلى أقصى الغايات.
وذكر الجمل: أشار إلى أن (مِنْ) بمعنى (عن) وأن الذكر هو القرآن وأن في الكلام مضافا مقدرا وبعضهم جعل (مِنْ) تعليلية أي قست بسبب، ومن أجل ذكر الله، فإذا سمعوه نفروا وزادوا قسوة لفساد قلوبهم، والدواء النافع قد يكون داء لبعض المرضى.
وقال الآلوسي: من ذكر اللَّه أي من أجل ذكره سبحانه الذي حقُّه أن تلين له القلوب، أي إذا ذكر اللَّه تعالى عندهم أو آياته أشمأزوا من ذلك وزادت قلوبهم قساوة، وقُرئ (عن ذكر الله) والمتواتر أبلغ لأن القاسي من أجل الشيء أشد تأبيا عن قبوله من القاسي عنه بسبب آخر، وللمبالغة في وصف أولئك بالقبول وهؤلاء بالامتناع ذكر شرح الصدر لأن توسعته وجعله محلا للإسلام دون القلب الذي فيه ما يدل على شدّته وإفراط كثرته التي فاضت حتى ملأت الصدر فضلا عن القلب. ثم ذكر الفرق بمِن الضيق والقساوة، ولماذا أسنده إلى الله، ولماذا أسندها إلى القلوب؟ أقول: القلوب صنوف ... قلوب تطمئن إلى ذكر اللَّه (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) تتلقاه بإشراق واستنارة، وتتفتح، فتنشرح له وتتندى به.
وقلوب تستقبله في وجل وارتعاش، فتلين له الجلود وتسكن له القلوب.