أقول: في حال عود الضمير (به) على الحرم أو المسجد الحرام يكون تضمين (مستكبرين) معنى (معتزين) ولكن اعتزازهم هذا يبقى ملتوتا بكبرياء الجاهلية عن الإذعان للحق، موسوما بعمى البصر والبصيرة. يتخذون من الحرم عزة لانتسابهم إليه، ومن شخصية الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مادة للسخرية والهزء وفاحش القول به في مجالسهم، يتناولونه بهوس كالمجانين.
وفي حال عود الضمير (به) على القرآن يكون تضمين (مستكبرين) معنى (مستخفين) ومن معاني استفعل: اعتقاد صفةٍ فيه، نقول: استصوبه: اعتقد صوابه. والاستخفاف ضد الاستكبار. تقول: للجبان يا بطل! فهم يصرفونه عن حقيقته إلى فعل المردة والشياطين حيث كانوا يعتقدون أن لكل شاعر شيطانا ينفث على لسانه، وأن الرسول ساحر فهم يطلقون ألسنتهم بهَجْر القول وفحشه فيه، وهم حول أصنامهم يَسمرون.
وليست جاهلية العرب قديماً إلا نموذجا لجاهلية اليوم، فما الشبهات التي تصد الناس اليوم عن الهدى؟ ما حجة المعرضين عن الإسلام اليوم؟ (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ)(أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ)(أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) .. كلا بل أكثرهم للحق كارهون فهم لدناءتهم وسقوطهم يستخفون بكل داعية ويهزؤون، وتبقى حروف المعاني مفاتح كنوز للمعاني، ولولا الباء لما بَعَثَنا المشتق (مستكبرين) على المراجعة له وإلطاف النظر فيه.