وقال البروسوي: فإن رين الإثم يظهر في صفاء مرآة قلبه، يعميه عن رؤية الحق ويعميه عن سماعه.
أقول؛ (كسب) يتعدى بنفسه فعداه تعالى بـ (على) لتضمنه معنى (جرَّ) فـ (على) هذه تحمل معنى استعلاء الإثم واستيلائه على صاحبه وقهره له وإبراز شناعته، وإفحاش صورته لتحاميه والعزوف عنه، ونفور الحس منه بعد أن تلوح خطره، والكسب معناه طلب الرزق. واختار تعالى لفظ كسب ليحصل للنفس تشوف إليه يبعث على طلبه والإقبال عليه والتنشيم فيه رغبة في مكسبته.
ولكنه جاء متعديا إلى الإثم والعدوان (يكسب إثما) ليفاجئ الحس بغير ما كان آخذا فيه ومنصتا إليه ولو أحس الخائض في الإثم بما فيه من خسارة، لهرب من ظله، وفثأ شره عن نفسه، ولكنه حين يجترح الإثم ويرتكب المعصية إنما يلتذها لتزيين الشيطان لها، يحسبها مكسبة له، يحياها ويتنفس في جوها العفن وتنعدم في لغة الهوى ونزغات القلوب كلمة الفضيلة إذ الغاية إشباع اللذة وإرواء الغريزة.
فلا تسقني سِرا إذا أمكن الجهر ... ولا خيرَ في اللذات مِن دونها سِتر
فهو يرتكب المعاصي ويجاهر بها وتحلى نفسه بما استسرت منها. وما كان هذا الحسن في توجيه المعنى ليظهر لولا فضل التضمين، ثم في تنافر الضدين كسب وجز وجنى - المضمن والمضمن فيه غاية الإعجاز، يروض النفوس بالخوف وبالطمأنينة على مقومات جديدة للتصور الإسلامي: الخوف من عمله السيئ، والطمأنينة إلى أنه لا يحمل وزر غيره فليست هناك خطيئة