وذكر الآلوسي: الباء زائدة في المفعول كما في قوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). وكذلك الزركشي. وقيل: الباء للتعدية لكون المعنى تفضون إليهم بالمودة، وأفضى يتعدى بالباء. وقيل: للسببية. والإلقاء مجاز عن الإرسال لأخبار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بسبب المودة بينكم.
أقول: ليس في كتاب اللَّه حرف زائد، وليست المودة متاعا يُلقى إليهم، وإنما الباء على أصلها وما جاءت هنا إلا لتظهر في الصياغة مزية وتؤدي في المشهد المحسوس دورا ماتعا (فَأَلْقَى) تضمن معنى (تقرب) والتقرب بآصرة رحم أو معروف إلى عشيرته لتكون له عند القوم يد، فقد ألقى رسالته إلى قرابته ليتقرب إلى عشيرته فتكون له عندهم زلفى، ولو سألت عن سر استبدال تتقربون بتلقون لعلمت بأن لفظ (تلقون) يصور الحدث الذي جرت فيه الواقعة حين ألقى حاطب بن أبي بلتعة بالكتاب إلى أهل مكة يعلمهم بعزم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على غزوهم، والذي يعزز هذا التوجيه سياق الآية:(تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) ثم يكشف اللَّه ما استتر (وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ) فالسورة تبدأ بالنهي عن موالاة الأعداء لتتم عملية المفاصلة بين رابطة الطين ورابطة الدين، إنه التنظيم الاجتماعي والسياسي في المجتمع المدني في واقع عملي من خلال ما جريات الأحداث وفي غمرتها تتم عملية التربية، فمن الناس من هو مثقل برواسب الماضي وجواذب الأرض يحتاج إلى تذكير
وتخويف من عصبية الجنس والعشيرة والقرابة فلا يتقرب إليهم بمودة ولا منفعة