نفوس المؤمنين لتشيع بعد ذلك في واقعهم، فكان تعدّي الفعل بـ (في) وهو لا يتعدى بها إيذانا بوقوع العذاب، لكنه تعالى بلطفه بهم ورحمته، جعل المس مكانه، ليومئ به إلى قربه ودنوه إلطافا منه بهم وإحسانا إليهم، أما تضمين (في) معنى (اللام أو الباء) أو إنابة حرف عن حرف فاحفظ نفسك منه.
كما يحتمل السياق تضمين (مس) معنى (غشي) والمس طرف الغشيان وجانبه، يُستدل به عليه وينقاد على وتيرته، ولولا ألطاف اللَّه الخفية لغشي الجماعة المسلمة كلها عذاب عظيم يتناسب مع الفرية، وقد مست المقدسات التي تقوم عليها الجماعة المؤمنة، ولأفلت الزمام واختلت المقاييس، فيما أفاضوا فيه أي (في اقتحام لُجَجِه) أيما إفاضه. لقد كشف حكم القذف عن شناعة الجرم وقد تناول ست النبوة الطاهر، عِرْضَ أكرمِ إنسانٍ على الله، وعرض أكرم إنسان على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وعرض صفوان الذي لم يشهد عليه رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلا خيرا، ذلك حديث الإفك وقد شغل المسلمين شهرا كاملا.
لقد جعل التضمين مس العذاب كالرمز والإيماء إلى اقتراب الضراء في بُطءٍ ومن ورائه غاشية من العذاب تأخذهم أجمعين، لولا فضل اللَّه العظيم على عباده المؤمنين.
ولو وقفنا عند المس لا نتعداه لأجدب المعنى وجف علينا ثراه فتدسس إلى دفينٍ توارى تحته كأنه رعشات بيان تنتشر، أو ينبوع نور يتدفق، تتكشّف في أفقه معانٍ لا يحيط بها فكر ولا يمتد إليها النظر، إنه التضمين ... وإنه غاية الأمل.