في دعواه ولم يسلك طريق المعرفة بها ليُكشفَ له عنها. ومن قال مؤكدة، فماذا تؤكد ثبوت المنع أم نفيه؟ أو قال للتحقيق، فماذا تحقق؟ ومن ادعى أن المنع مجاز عن الاضطرار، فقد رد عليه السكاكي: بأنه لا قرينة في هذا المجاز، وأنه من باب التضمين ما حملك على ألا تسجد، ولعل تضمين (منع) معنى (حدا) أظهر للمعنى في هذا السياق وأسْير، فما حداك على ألا تسجد، والعلاقة بين المنع والحدو وشيجة فكلاهما فيه حمل النفس على ما تكره من أمر السجود، وإلجاؤها إلى ما يؤدي بها إلى الهلاك في رفضها للأمر - إذ أمرتك - وقسرها وقهرها على طاعة مولاها. فالمنع في الأعراف جاء مصحوبا بظرف (إذ أمرتك) ومعناه: ما حداك على ألا تسجد حين أصدرت أمري إليك؟ فرفْض السجود هو بالتالي رفْض الأوامر.
وتقرير حال أوضاع الحروف يوجهنا كيف تسري أحكامها في أحناء الآية فنحمل المعنى على التضمين لننجو من آفة زيادة الحروف.
أما المنع في (ص) فليس فيه تضمين. بقي أن أقول: لم جاء التعبير بالمنع بدل الحداء؟ والجواب: لعله في لفظ ما (منعك) يسأله سبحانه عن الموانع وهي بمعناها اللغوي قسرية قهرية لا إرادية. وفي لفظ (ما حداك) يسأله عن الدوافع وهي طوعية إرادية. وفي اختيار الأولى بدل الثانية إيقاع له في الحرج وكشف عن الجريمة في أسلوب ساخر لاذع لأن أحدا لم يمنعه من السجود، وإنما امتنع بملء حريته وبكامل وعْيه، وبتصميم من إرادته. فأي جواب سَيُبَرِّرُ ما وقع فيه، وما أخذ به نفسه؟ لقد قال: أنا خير منه. " فأنا " الإبليسية هي الدافع له على التمرد والباعث له على التأبي عن الطاعة، وهي