اتخذته بمعزل بعيدا عن القوم. ووافقه أبو السعود: مكانا مفعول له باعتبار ما في ضمنه من معنى الإتيان المترتب وجودا واعتبارا على أصل معناه العامل في الجار والمجرور وهو السر في تأخيره عنه. أي انفردت منهم وأتت مكانا شرقيا.
وذكر الرازي: انتبذت: تنحَّت يقال: جلس نبذة من الناس أي ناحية و (انتبذت) معناه تباعدت وانفردت على سرعة إلى مكان يلي ناحية المشرق.
وذكر ابن عباس: انتبذت: انفردت وتنحَّت.
أقول: النبذ: الرمي إلى بعيد أو الإلقاء أو الطرح استهانة به وإظهارا للاستغناء عنه قَالَ تَعَالَى: (فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ) وانتبذ - على وزن افتعل - من معاني هذه الصيغة الاتخاذ أو الطلب، فمريم اتخذت مرمى بعيدا في شرقي أهلها أو طلبت معزلا (شعورا بمهانتها) منبوذا انتحت فيه في الشرق من أهلها. وقلت (مرمى) لأن النبذ: الرمي إلى بعيد فقد تضمن (انتبذت) معنى (اعتزلت) أي تنحت. والذي أنَّسني بهذا المعنى وسوغ هذا التضمين صيغة انتبذت - افتعل: اعتزل - كما قلت، وما أدري من أين جاء المفسرون بتضمين الانتباذ معنى (المجيء).
ويبقى التضمين كنزا من كنوز هذه اللغة نخلد إليه حين لا يثبت عند النظر سواه. فنأوي إلى سداد ونؤول إلى ثقة.