ونخلص بعد هذا التطواف إلى أن لكلٍ من الاسم والفعل والحرف معنى إفرادياً إلا أن المعنى للاسم والفعل في أنفسهما، أما الحرف فإن معناه الإفرادي لا يظهر إلا من خلال تركيبه في جملةٍ، ويستمده من العلاقات التي يوحيها السياق.
والتعبير عن العلاقات معنى وظيفي لا معجمي، فلا بيئة للحروف خارج أسيقتها، والمعنى الذي يتكون في الذهن لدى سماعنا جملةً من الجمل، لا يمكن أن يتكون لولا أدوات الربط (الحروف وغيرها من دوالّ النسب) فلو قلت: حزنت، فما المعنى المراد؟ أحزنت منه أم له أم عليه أم ماذا؟. في قوله تعالى:(وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) لقد جمع في لفظة واحدة أمرين متدافعين وتقديرين ضدين.
المعاني مسجونة في مواضعها والأذهان معزولة عن الانتفاع منها، لا نعرف إساءة من إحسان، فهل الرغبة (في) نكاح اليتيمة إن كانت جميلة يتزوجها ويأكل مالها، أو الرغبة (عن) نكاحها إن كانت دميمة يعضلها عن الزواج حتى تموت فيرثها؟.
أخفى القرآن المعنى لغرض المصلحة، مصلحة اليتيمة. رُوي عن عمر رضي اللَّه عنه كان إذا جاءه ولي اليتيمة نظر ... فإذا كانت جميلة غنية قال: التمس لها مَنْ هو خير منك، وإن كان غير ذلك أمره أن يتزوجها. رضي اللَّه عنك يا عمر ... إنه ميلاد مجتمع جديد. طمس معالم الجاهلية في النفوس وأنشأ تصوراً جديداً، فتم هذا الميلاد، وتغيرت ملامح الحياة كلها وانتقلت موجته من المجتمع الوليد إلى المجتمع الرشيد.
هذه الحروف تُسمى حروف الإضافة، وتسمى حروف الجر كما قلت،