أما إذا تعدى بـ (مِن) فإنه يتضمن معنى (الخروج). في قوله تعالى:(فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا) وقوله تعالى: (اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) وفي قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) تضمن الهبوط معنى السقوط وحين يتعدى بنفسه في قوله تعالى: (اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ) فإنه يتضمن معنى (النزول).
أرأيت كيف يتغير معنى (الهبوط) بتغير الحروف التي يتعدى بها؟! ولو توهمتَ آخذا بتعاور الحروف لحرمت نفسك من محاسن هذه الصنعة وسددت عليك باب الحظوة بها.
ولو سأل سائل: لم اختار الهبوط على الحلول وهذه أندى ظلالًا؟ قلت: لو قال: احلل لضاع علينا معنى الهبوط أي النزول فليس معنى حلول السفينة هو نزول أهلها منها. ولو قال:(يا نوح اهبط): سينزل إلى أين؟ لا بد من قرار ودار سلام يحل بها، وإلا بقي مرتحلا ليس له مقام.
فجمع التضمين الهبوط مع الحلول فأفادهما جميعا، وبذلك أسفر وجهه عن غرض تعدية الفعل بغير حرفه لدى الاستقراء له والبحث عن كنهه. فإياك والوقوف مع كثافة الذهن في التناوب والتعاور لأنها تدعوك لإنكار هذه اللطائف.