أقول: صورة مُزرية لقطيع يمضي على طريق لا يتعرف على مَعالمه.
مَقُولة تنطلق من أفواههم تدعو إلى السخرية (مهتدون). الإسلام لا يُقر التقليد للآباء والأجداد، الإسلام تفتح في الضمير، وتحرّر في الفكر، مبني على إدراك سليم. لا يفتحون للرسل ولا للدعاة عيناً تبصر، ولا قلباً يحس، ولا عقلاً يستبين. بل أغلقوا قلوبهم وعقولهم وأبصارهم على دعوى متهافتة:(وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) بلا حجة ولا دليل (وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) فاللَّه يسخر منهم كيف تكون الهداية لهذا القطيع يمشي عل سَنَنٍ لا معالم لها؟ والذي كشف هذه السخرية حرف الجر (على) يتعدى به (مهتدون) فقد تضمَّن (الاهتداء) معنى (الاحتذاء)، ومعناه الاقتداء أي إنا على آثارهم محتذون، والاحتذاء سبيل الاهتداء وسبب من أسبابه ولكن لا على مثال الآباء والأجداد بل على مثال الرسل وورثة الأنبياء.
لم جاء تعبيرهم بلفظ مهتدين بدلا من محتذين؟ إنه التبرير أو التسويغ إذاً ليُصوروا موقفهم على أشرف أحواله وأنزه صفاته (مهتدين) ولو قالوا: مقتدين أو محتذين. لكانت سُلَّما إلى الطعن عليهم، ولأقيمت عليهم الحجة، إذ كيف يعرف الهدى من يمشي بغير بصر ولا بصيرة، على طريقة تُؤم وُتقصد؟!
إنه التضمين يأنق له السياق ويرتاح لاستعماله، ودليله سائغ غير مدفوع، إن ارتضيته أخذ بيديك وإنْ تجهمت له أخذ على يديك إلى أن تستضيء به، وتستمد التنبه على أسبابه.