شيء سواه، فإذا أدخلت عليه الباء تلكأ واعتذر إلا بإحراج وخجل، وتحت الخوف والوجَل من أن يُفسَّر الكلام على غير مجاريه، وسنَنِ تعبيره، فتزل به الفُهوم، وتتعثّر في شرحه الأقلام. ففي التنزيل العزيز:(بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ). ذهب بعضهم إلى تضمين الباء معنى اللام، وجعلها بعضهم سببية، وآخرون ذهبوا إلى تقدير محذوف (إليك) وأن الاستماع كان من باب الهزء والسخرية.
ويزول الإحراج ويبرد الخجل حين يتقمص السمع شخصية الاهتمام ويتضمن معنى العناية (عني واهتم). ساقتْنا الباء إلى هذا المعنى، فمستمع القرآن من كفار قريش عَنِ بسمو بيانه ومبلغ إعجازه ولكنه يُجاهد فطرته ألا تتأثر وقلبه ألا يرق، واللَّه أعلم كم يشغَل القرآن عليهم اهتمامهم فيُلقون إليه أسماعهم، ولكن غلبتْ عليهم شقوتهم حِرصاً على زعامتهم. فأين الهُزء وأين السخرية؟! لقد فتحت لنا الباء مع فعل السمع بصائر.
وإذا كان هذا هو السر في اختصاص الحروف بأفعالها ومصادرها ومشتقاتها، فالعربي في عصوره الأولى إذا تجاوز في استعماله هذه الروابط فسبب عدوله من حرف إلى حرف هو السياق إذاً، وهو الذي وضع الفعل في معنى معين وخصصه به وعداه بحرف يناسبه ويطلبه ويُزيل الغرابة عنه، فإبدال حرف مكان حرف أو قيام حرف مقام حرف، أو تضمين الحروف كثير الإيهام ولا حقيقة تحته، بل لكل حرف معناه، وما اختير في سياقه إلا لغرض يُؤديه، أما أنه استُعمل في وقت من الزمان بمعنى بديله ثم انصرف عنه فيما بعد،