وهيبته المستمدة من ربه ... ماذا يكون موقف الطاغية؟ تولى بركنه. فهل نقول في مثل هذا الموقف العصيب: أدبر وأعرض وازورَّ كما ذكر بعض المفسرين ووَدَعَ موسى لشأنه. أم نقول: تمسك بجبروته واعتصم بقوة جنده وسلطانه وتبع موسى ليقضي عليه فكان من أمره ما كان؟ إن عَزَّ المسلك للوصول إلى المطلوب، فترسَّمْ في السياق السبيل. لقد كانت نتيجة الموقف النبذ باليم والغرق ... إنها نتيجة الطغيان والاعتزاز بالقوة والسلطان.
فهل يبقى بعد هذا مقالة لقائل: الباء بمعنى مع أو هي للتعدية أو السببية أو ... ؟! ثم لم قال (تولى) بدل (اعتصم)؟ لعل التولي أكشف عن نفسية فرعون وما فيه من معنى العزة والمنعة.
وكشف توليه عن كبريائه وصلَفه. أما الاعتصام ففيه من معنى الاستعانة بالآخرين ودخوله في عصمتهم ما يكشف عن ضعف المعتصم واستخزائه.
ولا يكشف عن معنى اللفظ إلا سياقه بالتأتي ولطف الصنعة. جاءت الباء إذاً تعريضا بغرض التولي وإيماءً إلى الاعتصام من وجه لا يفطن له إلا صاحب صنعة، فإن وجدت منصرفا في اللفظ تستعين به على فهم الغرض، ووجها تسلك فيه لتحديد المطلب، وشِعاباً تظفر بمرقوم منها، تجتني من ورائها ثمرات، فبادر، فإن كتاب اللَّه لا تنقضي عجائبه.