أما القول بتعاورها فيُذهب استطابتها ويفسد الإمتاع بها والاستملاح لها.
فالمعنى في اللفظ كالروح في الجسد، يتفرس فيه النطاسيُّ الحقيقةَ بطبعه وحسه، كما يتفرس اللبيبُ صفات الأرواح في الأجساد ينحيزة نفسه.
حرف (لا) والذي يمتد معه الصوت، يؤذن بامتداد المعنى بخلاف (لن) الذي ينقطع معه الصوت ويُؤذِن بانقطاع معناه: (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا).
لليهود حين قيل لهم (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) فدعواهم قاصرة مترددة بزعمهم أنهم أولياء الله. (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا). لليهود بما قدمته أيديهم فدعواهم قاطعة بأن الجنة لهم بصفة الخلوص. فتأمل ذلك فإنه معنى لطيف وغرض شريف يستعمل (لا) عند التردد و (لن) عند القطع.
وشاهد آخر تبطل فيه حجة المعتزلة بالرؤية في قوله تعالى:(لَن تَرَاني) ولم يقل لا تراني، كالذي جاء في قوله:(لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) منفيا بـ (لا) ولم يقل: لن تدركه الأبصار، والفرق واضح بين الرؤية والإدراك، والحديث صحيح جاء في البخاري:" إنكم ترون ربكم يوم القيامة ".
وكل ما مر من هذه اللطائف في دلالة الحرف إنما يتحكم فيه المقام ويوجهه السياق ولا يخضع لتعليل ولا يلتزم بقاعدة.