للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، يبدر من لقيه بالسلام.

قال قلت: صف لي منطقه.

قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متواصل الأحزان، طويل الفكرة ليس له راحة، لا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتح كلامه ويختمه بأشداقه، يتكلم بجوامع الكلم، فصل لا فضول ولا تقصير، دمث ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت لا يذم منها شيئًا، لا يذم ذواقا، ولا يمدحه.

وفي رواية غيره: لم يكن ذواقا ولا مدحة ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، وإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها فضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام.

قال فكتمتها الحسين زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه، فسأله كما سألته ووجدته قد سأل أباه، عن مدخله ومجلسه ومخرجه ومسلكه فلم يدع منه شيئا.

قال الحسين: سألت أبي عن دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان دخوله لنفسه ماذونا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءا لله، وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة بالخاصة، ولا يدخر- أو قال لا يدخر عنهم شيئا- وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألتهم (١) عنه، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول لهم: "ليبلغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي بحاجته، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه،


(١) كذا في (ن) وفي الأصل والدلائل "مسألته عنهم".
"يدخُلون رُوّادا" يريد طالبين ما عنده من النفع في دينهم ودنياهم.
والرّواد جمع رائد وهو الطالب.
"ولا يتفرقون إلا عن ذواق" الذواق أصله الطعم، ولكنه ضربه مثلا لما ينالون عنده من الخير.
"ويخرجون [من عنده] أدلة" يعني فقهاء بما قد علموه، فيُدلّون الناس عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>