للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أخرجه مسلم في الصحيح (١) من وجه آخر عن حماد.

قال البيهقي رحمه الله: فأبان - صلى الله عليه وسلم - بهذا الخبر أن الشح بالدين من الإيمان لأنه ذكر الحلاوة مثل (٢) الإيمان وأراد أن الشحيح بدينه كالمتطعم بالشيء الحلو، فكما أن الراغب في الحلو لا يجد حلاوته فيلتذ بها إلا بتطعمه كذلك الراغب في الإيمان لا يسلم له مقصوده منه إلا وأن يكون شحيحا به؛ فإنه إذا شح بالإيمان لم يأت بما يفسده عليه، كما أن من وجد حلاوة الحلو لم يأت بما يبطلها عليه، والله أعلم.

ويدخل في هذا الباب ما اقتصه الله سبحانه وتعالى علينا من خبر شعيب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ قال له قومه: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ. قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ} (٣) إلى آخر الآية.

فإن في هذا الحديث عدة معان: مرجعها (٤) كلها إلى الشح بالدين.

أحدها: أن شعيبا - صلى الله عليه وسلم - سمي مباينة المشركين من قومه نجاة. وقد علم أن ضد النجاة الهلكة، ومن كان عنده أن الكفر هلكة، والإيمان نجاة لم يكن إلا شحيحا على دينه.

والثاني: فإنه أشار بقوله {عَلَى اللهِ توَكَلْنَا} إلى أنه قد فوض أمره إلى الله تعالى فإن


(١) في الإيمان (١/ ٦٧) عن إسحاق بن منصور حدثنا النضر بن شميل عن حماد ولم يسق متنه كاملا بل أحاله على رواية قتادة.
وأخرجه أحمد في "مسنده" (٢٨٨) عن عفان، و (٣/ ١٧٤) عن المؤمل بن إسماعيل وعفان معا، و (٣/ ٢٣٠) عن يونس وحسن بن موسى. كلهم عن حماد بن سلمة بنحوه.
وانظر تخريج الحديث في التعليق على (٤٠١).
(٢) كذا في النسختين، وفي "المنهاج": لأنه ذكره الحلاوة، وليس الإيمان مما يطعم، دليل على أنه ضرب الحلاوة مثلا للإيمان.
وقارن كلام المؤلف بكلام الحليمي في "المنهاج" (٢/ ١٧٩ - ١٨٠).
(٣) سورة الأعراف (٧/ ٨٨ - ٨٩) وتمام الآية: {بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}.
(٤) كذا في "المنهاج". وفي الأصل و (ن) "مرجوعها".

<<  <  ج: ص:  >  >>