للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عصمه من الجلاء عن الوطن فذلك فضله، وإن خلاهم وما يهمون به من إخراجهم فالجلاء أحب إليه من مفارقة الدين، وهذا من الشح بالدين لأن الله تعالى جعل الجلاء عن الوطن قرينة القتل.

والثالث: أن شعيبا - صلى الله عليه وسلم - فزع إلى الله واستنصره ودعاه كما يدعى في الشدائد إذا عرضت، والخطوب إذا نزلت فقال: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ}.

استعظاما لما كان يخاطب به وتأميلا أن يدفع الله عنه أذية الكفار فلا يسمعوه في دينه ما يشق عليه سماعه. وهذا أيضًا من الشح بالدين ومعلوم أن الله تعالى إنما يقتص علينا هذا ومثله لنتأدب بآداب الذين يصف لنا سيرهم ثم يمدحها، ونباين مذاهب الذين يصف لنا طرائقهم ثم يذمها، ونتبع الأحسن من الوجهين دون الأقبح منهما كما قال عز وجلّ: {فَبَشِّرْ عِبَادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} (١) الآية.

فصح أن الشح بالدين من أركان الدين، لا يجد حلاوة الدين من لا يجد الشح به في قلبه، والله أعلم.

وهذا هو الأمر الذي يشهد العقل بصحته لأن من اعتقد دينا ثم لم يكن في نهاية الشح به والإشفاق عليه كان ذلك دلالة على أنه لا يعرف قدره ولايتبين موضع الحظ لنفسه فيه، ومن كان الحق عنده حقيرا لم يسكن الحق قلبه. وبالله العصمة.

ثم إن الشح بالدين ينقسم قسمين (٢):

أحدهما الشح بأصله كيلا يذهب، والآخر الشح بكماله كيلا ينقص (٣) ألا ترى أن الله تعالى كما مدح شعيبا - صلى الله عليه وسلم - وأثنى عليه بأنه شح على دينه فلم يفارقه مع استكراه قومه إياه على مفارقته فكذلك مدح يوسف - صلى الله عليه وسلم - بأن استعصم حين راودته امرأة العزيز عن نفسه: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} (٤).


(١) سورة الزمر (٣٩/ ١٧، ١٨).
(٢) ذكره الحليمي في "المنهاج" (٢/ ١٨١).
(٣) وبعده في المنهاج: "والشُّحَّان جميعًا من أركان الإيمان".
(٤) سورة يوسف (١٢/ ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>