للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فبان أن الشح على شعب الإيمان كيلا تنقص كالشح على أصله كيلا يذهب. وهذا سبيل كل مضمون به لأن الشحيح بما له كما يشح بجماعه يشح بأبعاضه والشحيح بنفسه يشح بأطرافه كما يشح بجملة بدنه فهكذا الدين. وباللّه التوفيق.

ومن الشح على الدين أن المؤمن إذا كان بين قوم لا يستطيع أن يوفي الدين حقوقه بين ظهرانيهم، ويخشى أن يفتنوه عن دينه وكان إذا فارقهم يجد لنفسه مأمنا يتبوأ، ويكون فيه أحسن حالًا منه بين هؤلاء لم يقم بين ظهرانيهم، وهاجر إلى حيث يعلم أنه خير له وأوفق قال الله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} (١).

وعلى هذا الوجه كانت هجرة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ديار الكفر وليلقوه ويصحبوه ويهاجروا معه، ثم هذا الحكم فيمن لم يمكن إظهار دينه في موضعه باق بعده، وقد تكلمنا على هذه المسألة في كقال السير (٢) من كتاب "السنن" وروينا في كتاب "دلائل النبوة" (٣) ما قاسى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الشدائد والكاره بمجاورة الكفار حتى أمروا بالهجرة إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة. والله يوفقنا لمتابعة سلفنا، فنعم السلف كانوا لنا. رضي الله عنهم.

[١٥٠٩] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، حدثنا محمد ابن عبد الوهاب، أخبرنا يعلى بن عبيد، حدثنا الأعمش، عن أبي مسلم، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن خباب قال: كنت رجلًا قينا وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أطلبه فقال: والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد. قال قلت: والله لا أكفر به أبدا حتى تموت ثم تبعث. قال: فإني إذا بعثت كان لي ثمِ مال وولد فتأتيني فأقضيك. فأنزل الله عز وجلّ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} أخرجاه في الصحيح (٤) من وجه أخر عن الأعمش.


(١) سورة النساء (٤/ ١٠٠).
(٢) انظر "السنن الكبرى" كتاب السير (٩/ ٢ وما بعدها).
(٣) راجع "الدلائل" (٢/ ٢٧٤ وما بعدها).

[١٥٠٩] إسناده: صحيح.
(٤) فأخرجه البخاري في البيوع (٣/ ١٣) وفي الخصومات (٣/ ٩٢) من طريق شعبة، وفي التفسير (٥/ ٢٣٧) من طريق سفيان. =

<<  <  ج: ص:  >  >>