للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحدها: أن تكون آيتا عمل ثابتتان في التلاوة إلا أن أحدهما منسوخة، والأخرى ناسخة، فنقول إن الناسخة خير أي إن العمل بها أولى بالناس وأعود عليهم. وعلى هذا يقال: آيات الأمر والنهي والوعد والوعيد خير من آيات القصص؛ لأن القصص إنما أريد بها تأكيد الأمر والنهي والإنذار والتبشير ولا غنى بالناس عن هذه الأمور، وقد يستغنون عن القصص، فكان ما هو أعود عليهم وأنفع لهم مما يجري مجرى الأصول خيًرا مما يجعل تبعًا لما لا بد منه.

والآخر (١): أن يقال إن الآيات التي تشتمل على تعديد أسماء الله تعالى جل ثناؤه، وبيان صفاته، والدلالة على عظمته وقدسه أفضل وخير بمعنى أن مخبرا بها أسنى وأجل قدرا.

والثالث: أن يقال سورة خير من سورة، أو آية خير من آية بمعنى أن القارئ يتعجل له بقراءتها فائدةٌ سوى الثواب الآجل ويتأدى منه بتلاوتها عبادة كقراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين، فإن قارئها يتعجل بقراءتها الاحتراز مما يخشى، والاعتصام باللهِ جل ثناؤه، ويتأدى بتلاوتها منه لله تعالى عبادة لما فيها من ذكر الله -تعالى جده- بالصفات العُلا على سبيل الاعتقاد لها، وسكون النفس إلى فضل ذلك الذكر ويمنه وبركته. فأما آيات الحكم فلا يقع بنفس تلاوتها إقامة الحكم، وإنما يقع بها علم وأذكار فقط، فكان ما قدمناه قبلها أحق باسم الخير والأفضل والله أعلم.

ثم لو قيل: في الجملة إن القرآن خير من التوراة والإنجيل والزبور بمعنى أن التعبد بالتلاوة والعمل واقع به دونها والعمل واقع به دونها، والثواب يجب بقراءته لا بقراءتها، وأنه من حيث الإعجاز حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - المبعوث به، وتلك الكتب لم تكن معجزة و لا كانت حجج أولئك الأنبياء، بل كانت دعوتهم والحجج غيرها، لكان ذلك أيضًا نظير ما مضى ذكره والله أعلم.

وقد يقال؟ إن سورة أفضل من سورة لأن الله تعالى اعتد قراءتها كقراءة أضعافها مما سواها وأوجب لها من الثواب ما لم يوجب لغيرها وإن كان المعنى الذي لأجله بلغ بها هذا القدار لا يظهر لنا، كما يقال: إن يوما أفضل من يوم، وشهرًا أفضل من شهر


(١) في النسختين "والآخران أن يقال".

<<  <  ج: ص:  >  >>