بكرامتي، وأؤثره على بيوت الأرض كلها باسمي، وأسميه بيتي، أنظفه بعظمتي، وأحوزه بحرمتي، وأجعله أحق البيوت كلها وأولاها بذكرى، وأضعه في البقعة المباركة التي اخترت لنفسي، فإني اخترت مكانه يوم خلقت السموات والأرض، وقبل ذلك قد كان بغيتي، فهو صفوتي من البيوت، ولست أسكنه، وليس ينبغي أن أسكن البيوت، ولا ينبغي لها أن تحملني.
أجعل ذلك البيت لك ولمن بعدك حرمًا وأمنًا، أحرم بحرمته ما فوقه وما تحته وما حوله، فمن حرمه بحرمتي فقد عظم حرمتي، ومن أحله فقد أباح حرمتي. من أمن أهله استوجب بذلك أماني، ومن أخلفهم فقد أخفرني في ذمتي، ومن عظم شأنه فقد عظم في عيني، ومن تهاون به صغر عندي. ولكل ملك حيازة، وبطن مكة حوزتي التي حزت لنفسي دون خلقي، فأنا الله ذو بكة، أهلها خفرتي وجيران بيتي، وعمارها وزوارها وفدي وأضيافي في كنفي وضماني وذمتي وجواري، أجعله أول بيت وضع للناس، وأعمره بأهل السماء وأهل الأرض يأتونه أفواجًا شعثًا غبرًا على كل ضامر يأتين من كل فج عميق، يعجون بالتكبير عجيجًا، ويرجون بالتلبية رجيجًا، فمن اعتمره لا يريد غيري فقد زارني وضافني ووفد إلي ونزل بي، فحق لي أن أتحفه لكرامتي، وحق الكريم أن يكرم وفده وأضيافه وزواره، وأن يسعف كل واحد منهم بحاجته.
تعمره يا آدم ما كنت حيا، ثم يعمره من بعدك الأمم والقرون والأنبياء من ولدك أمة بعد أمة، وقرنًا بعد قرن. ونبيا بعد نبي، حتى ينتهي ذلك إلى نبي من ولدك يقال له محمد، وهو خاتم النبيين، فاجعله من عماره وسكانه وحماته وولاته وحجابه وسقاته، يكون أميني عليه ما كان حيا، فإذا انقلب إلي وجدني قد ادخرت له من أجره وفضيلته ما يتمكن به من القربة إلي، والوسيلة عندي، وأفضل المنازل في دار المقامة.
وأجعل اسم ذلك البيت وذكره وشرفه ومجده وسناه ومكرمته (١) لنبي من ولدك