للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بشكره، ويدع البعض رياضة لنفسه وقمعا لشهوته حتى لا يستعصي عليه، ويدع البعض لئلا يعتاده، فإن لم يجده في وقت اشتد ذلك أو وجد من ذلك في نفسه، والكافر ليس به إلا ملء بطنه؛ لأن هذه الوجوه كلها إنما يبعث عن النظر من قبلها الإيمان والتقوى فهو لا يترك لأجلهما شيئا، وإنما أمامه شهوته دون ما عداها، والمعى في هذا الحديث المعدة، ومعناه أنه يأكل الكافر أكل من له سبعة أمعاء، والمؤمن لخفة أكله يأكل أكل من ليس له إلا معى واحد والله أعلم.

وقرأت في كتاب "الغريبين" قال قال أبو عبيد (١): نرى ذلك لتسمية المؤمن عند طعامه فتكون فيه البركة، والكافر لا يفعل ذلك.

وقيل: إنه خاص لرجل، قال غيره: وفيه وجه أحسن من ذلك كله وهو أنه مثل ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - للمؤمن وزهده في الدنيا والكافر وحرصه عليها، ولهذا قيل: الرغب شؤم لأنه يحمل صاحبه على اقتحام النار، وليس معناه كثرة الأكل دون اتساع الرغبة في الدنيا.

وذكر أبو سليمان هذه الوجوه، اللفظ نحتلف والمعنى واحد ثم قال: وقد قيل (٢): إن الناس في الأكل على طبقات: فطائفة يأكلون كلما وجدوا مطعوما عن حاجة إليه وعن غير حاجة، وهذا فعل أهل الجهل والغفلة الذين شاكلت طباعهم طباع البهائم، وطائفة يأكلون إذا جاعوا فإذا ارتفع الجوع أمسكوا، وهذه عادة المقتصدين من الناس والمتماسكين منهم في الشمائل والأخلاق، وطائفة يتجوعون ويرتاضون بالجوع قمعا لشهوات النفوس، فلا يأكلون إلا عند الضرورة، ولا يزيدون منه على ما يكسر عزب الجوع، وهذا من عادة الأبرار وشمائل الصالحين الأخيار.


(١) قاله أبو عبيد في "غريب الحديث" (٣/ ٢٢ - ٢٣).
(٢) قد ذكر الحافظ في "الفتح" (٩/ ٥٣٨ - ٥٤٠) أقوال العلماء فيه ثم ذكر قول ابن التين ملخصًا فقال: قيل: الناس في الأكل على ثلاث طبقات: طائفة تأكل كل مطعوم من حاجة وغير حاجة وهذا فعل أهل الجهل، وطائفة تأكل عند الجوع بقدر ما يسد الجوع حسب، وطائفة يجوعون أنفسمهم يقصدون بذلك قمع شهوة النفس وإذا أكلوا أكلوا ما يسد الرمق.

<<  <  ج: ص:  >  >>