وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٨/ ٣٧٦) عن عبدة بن سليمان بنفس السند. قوله "انهكوا" أي بالغوا في إحفاء الشوارب. وقد جاء بلفظ احفوا الشوارب وأعفوا اللحى، قال الحافظ في الفتح،: الإحفاء بالحاء المهملة والفاء، الاستقصاء، ومنه حتى أحفوه بالمسألة، فكل هذه الألفاظ الواردة تدل على أن المطلوب المبالغة في الإزالة لأن الجزّ قص الشعر والصوف إلى أن يبلغ الجلد، والنهك: المبالغة في الإزالة ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - "أشمي و لا تنهكي" أي لا تبالغي في ختان المرأة. قال الطحاوي: لم أر عن الشافعي في ذلك شيئًا منصوصا وأصحابه الذين رأيناهم كالمزني والربيع كانوا يحفون وما أظنهم أخذوا ذلك إلا عنه وكان الإمام أبو حنيفة رحمه الله وأصحايه يقولون: الإحفاء أفضل من التقصير، وخالفه مالك، فقال ابن القاسم عن مالك: إحفاء الشارب عندي مثلة. وقال الأثرم: كان الإمام أحمد بن محمد بن حنبل يحفي شاربه إحفاء شديدا ونصّ على أنه أولى من القص، وأغرب ابن العربي: فنقل عن الشافعي: المختار في قص الشارب أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفيه من أصله. وأما قوله: "احفوا" فمعناه: أزيلوا ما طال على الشفتين، وقال ابن دقيق العيد: ما أدري هل نقله عن المذهب أو قاله اختيارا منه لمذهب مالك؟ فقال الحافظ: قلت: صرح في "شرح المذهب" بأن هذا مذهبنا. وقال القاضي عياض: ذهب كثير من السلف إلى سنية استئصال الشارب وحلقه لظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - "احفوا وانهكوا" وهو قول الكوفيين وذهب كثير منهم إلى مغ الحلق وقاله مالك وذهب بعض العلماء إلى التخيير بين الأمرين، قال الحافظ: هو الطبري فإنه حكى قول مالك وقول الكوفيين ونقل عن أهل اللغة أن الإحفاء: الاستئصال ثم قال: دلت السنة على الأمرين ولا تعارض فإن القصّ يدل على أخذ البعض والإحفاء يدل على أخذ الكل وكلاهما ثابت فيتخير فيما شاء، وقال ابن عبد البر: الاحفاء محتمل لأخذ الكل والقصّ مفسّر للمراد، والمفسر مقدم على المجمل، وقال الحافظ ابن حجر: ويرجح قول الطبري ثبوت الأمرين معا في الأحاديث المرفوعة. راجع "فتح الباري" (١٠/ ٣٤٦ - ٣٤٩)، "شرح مسلم " للنووي (٣/ ١٤٩). (٢) في الطهارة (١/ ٢٢٢ رقم ٥٥). من هذا الوجه أخرجه أحمد في "مسنده" (٢/ ٣٦٥، ٣٦٦)، والمؤلف في "السنن" (١/ ١٥٠).