للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والآخر: المؤمنون المخطئون، وهم الذين يوافون القيامة بالكبائر والفواحش غير أنهم لم يشركوا بالله شيئًا، فحسناتهم توضع في الكفة النيرة، وآثامهم وسيئاتهم في الكفة المظلمة، فيكون يومئذ لكبائرهم التي جاءوا بها ثقل، ولحسناتهم ثقل إلا أن الحسنات تكون بكل حال أثقل لأن معها أصل الإيمان، وليس مع السيئات كفر، ويستحيل وجود الإيمان والكفر معًا لشخص واحد، ولأن الحسنات لم يرد بها إلا وجه الله تعالى، والسيئات لم يقصد بها مخالفة الله وعناده، بل كان تعاطيها لداعية الهوى وعلى خوف من الله عز وجلّ وإشفاق من غضبه. فاستحال أن تواري السيئات - وإن كثرت- حسنات المؤمن، ولكنها عند الوزن لا تخلو من تثقيل يقع بها الميزان حتى يكون ثقلها كبعض ثقل الحسنات، فيجري أمر هؤلاء على ما ورد به الكتاب جملة، ودلت سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - على تفصيلها وهو قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (١).

وقوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (٢).

فيغفر لمن يشاء بفضله، ويشفع فيمن شاء منهم بإذنه، ويعذ من شاء منهم بمقدار ذنبه، ثم يخرجه من النار إلى الجنة برحمته كما ورد به خبر الصادق.

وقد دل الكتاب على وزن أعمال المخلطين من المؤمنين وهو قوله عزّ وجلّ:

{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (٣)

وإنما أراد- والله أعلم- أنه لا يترك له حسنة إلا توزن، وهذا بالمؤمن المخلط أليق، لأنه لو تركت له حسنة لم توزن، لزاد ذلك في ثقل سيئاته فأوجب ذلك زيادة في عذابه.

فأما أن الوزن كيف يكون؟ ففيه وجهان (٤):

أحدهما: أن صحف الحسنات توضع في الكفة النيرة، وصحف السيئات في الكفة الظلمة، لأن الأعمال لا تنسخ في صحيفة واحدة، ولا كاتبها يكون واحدًا، لكن


(١) سورة الزمر (٣٩/ ٥٣).
(٢) سورة النساء (٤/ ١١٦).
(٣) سورة الأنبياء (٢١/ ٤٧).
(٤) راجع "المنهاج" في (١/ ٣٩٤ - ٣٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>