للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالظالمون ها هنا هم الكافرون، ويشهد لذلكِ مفتتح الآية إذ هي في ذكر الكافرين، فإن احتجوا بقوله {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} (١).

قيل: هذا دليلنا لأن الفاسق مرتضى بإيمانه قال الله عز وجل، {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} (٢).

واصطفينا وارتضينا واحد في اللسان ثم قال: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} أي من المصطفين ظالم لنفسه، والظلم هو الفسق فأخبر أن فيهم ظالمًا، وقال في قصة يونس: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (٣).

وقد روينا من أوجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} الآية قال: "كلهم في الجنة" (٤) وهو في الجزء السابع من كتاب البعث مذكور بشواهده.

وقيل: معناه {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى} أن يشفعوا له كما قال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (٥).

قال الحليمي رحمه الله (٦): ولا تحتمل الآية غير ذلك لأن المرتضين عند الله لا يحتاجون إلى شفاعة ملك ولا نبي، فصح أن المعنى ما قلناه. ولا يجوز أن يقال إن الله لا يرتضي أن يشفع لصاحب الكبيرة لأن المذنب (هو) الذي يحتاج إلى الشفاعة، فكلما كان ذنبه أكبر، كان إلى الشفاعة أحوج، فكيف يجوز أن يكون اشتداد حاجته إلى الشفاعة حائلًا بينه وبين الشفاعة؟ وليس امتناع الشفاعة للكافرين لأن ذنبه كبير ولكنه بجحده البارئ المشفوع إليه، أو الرسول الشافع له، أو لأن الله تعالى أخبر أنه


(١) سورة الأنبياء (٢١/ ٢٨).
(٢) سورة فاطر (٣٥/ ٣٢).
(٣) سورة الأنبياء (٢١/ ٨٧).
(٤) أخرجه الترمذي (٥/ ٣٦٣ رقم ٣٢٢٥) والطيالسي في "مسنده" (٢٩٦)، وابن جرير في "تفسيره" (٢٢/ ١٣٧) والمؤلف في "البعث" (ص ٨٣ رقم ٥٧) عن أبي سعيد.
ونسبه السيوطي إلى أحمد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه والمؤلف، كما ذكر رواية أخرى عن أسامة بن زيد ونسبها إلى الطبراني.
وانظر روايات أخرى في "الدر المنثور" (٧/ ٢٣ - ٢٧).
(٥) سورة البقرة (٢/ ٢٥٥).
(٦) راجع "المنهاج" (١/ ٤١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>