للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غدوت به لتذبحه، قال: ولم أذبحه؟ قال: تزعم أن ربك أمرك بذلك، قال: فوالله لئن كان الله أمرني بذلك لأفعلن، قال: فتركه ويئس أن يُطَاع قال: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (١).

قال: فأوحى إلى إسحاق أن ادع فإن لك دعوة مستجابة، قال إسحاق: الله إني أدعوك أن تستجيب لي أيما عبد من الأولين والآخرين لقيك لا يشرك بك شيئًا أن تدخله الجنة.

قال الحليمي (٢) رحمه الله: والمعنى في ذلك- والله أعلم- أن من حج واعتقد في حجه ما قدمنا ذكره في بابه من أنه قد انسلخ من زينة الدنيا وشهوتها، وخلفها وراء ظهره، وتاب من الذنوب، وطهر منها قلبه، وجاء معتذرًا متنصلا منيبا إلى ربه، أمر أن يقرب بذلك قربانا يقربه له من بعض ما أحل له من بهيمة الأنعام، حتى إذا رمى أتبعه نحره أو ذبحه، وكان كان يقول: اللهم إني قد أتيت من التقصير في حقوقك، وكسبت من السيئات، ما لو كان لي إلى نحر نفسي سبيل لنحرتها عقوبة لها بما أسلفت من المعاصي، ولكنك حرمت ذلك علي، وأحللت لي بهيمة الأنعام، وإني متقرب إليك بهديي هذا فاقبله مني، واجعله فداء لي بمنك وطولك، كما فديت ابن خليلك إبراهيم بالذبح العظيم برحمتك وفضلك، واقبله مني كما قبلته من إبراهيم خليلك ومن محمد نبيك ورسولك.

ونحر ذلك بقلبه ويعتقده، ويعلم أن هذا معنى قربانه وعرضه، وإن قاله بلسانه فلا بأس، وما قلته من هذا فهو في الأضحية مثله، وليس بينهما فرق سوى أن ذلك هدي إلى البيت الحرام، وهذا ليس بهدي، وهي جميعًا سنة، وليس بفرض؛ لأن إخلاص التوبة يجزئ عن الفدية كما يجزئ عن الاستغفار، لكن الاستغفار معها من أعظم السنن كذلك الفدية.

قال الإمام أحمد رحمه الله: ثم ذكر الحليمي ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما لا يجزئ في الضحايا وهو ما.


(١) سورة الصافات (٣٧/ ١٠٣ - ١٠٥).
(٢) راجع "المنهاج" (٣/ ١٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>