للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مقيما فقال له: ما منعك من الخروج إلى عملك؟ أما علمت أن لك مثل أجر المجاهد في سبيل الله؟ قال: لا، قال وكيف ذلك؟ قال: لأنه بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من وال يلي شيئًا من أمور الناس إلا أتي به يوم القيامة يده مغلولة إلى عنقه فيوقف على جسر النار فينتفض به ذلك الجسر انتفاضة يزيل كل عضو منه عن موضعه، ثم يعاد فيحاسب فإن كان محسنا نجاه إحسانه، وإن كان مسيئًا انخرق به ذلك الجسر، فهوى به في النار سبعين خريفا".

فقال له: ممن سمعت هذا؟ قال: من أبي ذر وسلمان، فأرسل إليهما عمر فسألهما فقالا: نعم سمعناه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال عمر: واعمراه من يتولاها بما فيها، فقال أبو ذر: من سلت الله أنفه وألصق خده بالأرض، قال: فأخذ المنديل فوضعه على وجهه ثم بكى، وانتحب حتى أبكاني، ثم قلتُ: يا أمير المؤمنين، قد سأل جدك العباس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إمارة على مكة أو الطائف أو اليمن، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا عباس يا عم النبي نفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها" نصيحة منه لعمه وشفقة منه عليه، وأنه لا يغني عنه من الله شيئا إذ أوحي إليه {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (١).

فقال: "يا عباس عم النبي ويا صفية عمة النبي ويا فاطمة بنت محمد إني لست أغني عنكم من الله شيئًا، لي عملي ولكم عملكم".

وقد قال عمر بن الخطاب: لا يقضي بين الناس إلا حصيف (٢) العقل، أريب العقدة لا يُطلع منه على عورة ولا يحنق على جرته (٣) ولا تأخذه في الله لومة لائم.

وقال علي رضي الله عنه: السلطان أربعة فأمير قوي ظلف (٤) نفسه، وعماله، فذلك


(١) سورة الشعراء (٢٦/ ٢١٤).
(٢) "حصيف" أي المحكم العقل وإحصاف الأمر: إحكامه. "النهاية" (١/ ٣٩٦).
(٣) كذا وقع في "ن" و "ل" وفي الأصل "جرأة" وهو خطأ.
قوله "لا يحنق على جرته" أي لا يحقد على رعيته، والحنق: الغيظ، والجرة: ما يخرجه البعير من جوفه ويمضغه، والإحناق: لحوف البطن والتصاقه، وأصل ذلك في البعير أن يقذف بجرته، وإنما وضع موضع الكظم من حيث إن الاجترار ينفخ البطن والكظم بخلافه، يقال: ما يحنق فلان وما يكظم على جرة إذا لم ينطو على حقد ودغل. راجع "النهاية" (١/ ٤٥١).
(٤) ظلف: أي كف ومنع. قاله ابن الأثير في "النهاية" (٣/ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>