كالمجاهد في سبيل الله، ويد الله باسطة عليه بالرحمة، وأمير ظلف نفسه وأرتع عماله لضعفه، فهو على شفا هلاك إلا أن يتركهم، وأمير ظلف عماله وأرتع نفسه فذلك الحطمة التي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "شر الرعاء الحطمة".
فهو الهالك وحده، وأمير أرتع نفسه وعماله فهلكوا جميعا.
وقد بلغني يا أمير المؤمنين: أن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أتيتك حين أمر الله تعالى ذكره بمنافيخ النار، فوضعت على النار لتسعر إلى يوم القيامة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا جبربل صف لي النار" فقال: إن الله تعالى ذكره أمر بها، فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اصفرت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، لا يطفأ لهبها ولا جمرها، والذي بعثك بالحق لو أن ثوبا من ثياب أهل النار ظهر لأهل الأرض لماتوا جميعًا، ولو أن ذَنوبا من شرابها صب في مياه أهل الأرض جميعًا لقتل من ذاقه، ولو أن ذراعا من السلسلة التي ذكرها الله عزّ وجلّ وضع على جبال الأرض لذابت، وما استقلت، ولو أن رجلًا أدخل النار ثم أخرج منها لمات أهل الأرض من نتن ريحه وتشويه خلقه وعظمه، فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبكى جبريل لبكائه، فقال: تبكي يا محمد وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال:"أفلا أكون عبدا شكورا، ولم بكيت يا جبريل وأنت الروح الأمين أمين الله على وحيه؟ ".
فقال: إني أخاف أن أبتلى بمثل ما ابتلي به هاروت وماروت، فهو الذي منعني من اتكالي على منزلتي عند ربي عز وجلّ فأكون قد أمنت مكره فلم يزالا يبكيان حتى نودي من السماء أن يا جبريل، ويا محمد، إن الله عز وجلّ قد أمنكما أن تعصياه فيعذبكما، وقد بلغني يا أمير المؤمنين أن عمر بن الخطاب قال: اللهم إن كنت تعلم أني أبالي إذا قعد الخصمان بين يدي على من قال الحق من قريب أو بعيد فلا تمهلني طرفة عين، يا أمير المؤمنين إن أشد الشدة القيام لله عز وجلّ، وإن أكرم الكرم عند الله التقوى، وإنه من طلب العز بطاعة الله رفعه الله وأعزه، ومن طلبه بمعصية الله أذله الله ووضعه، فهذه نصيحتي والسلام عليك ثم نهضت، فقال: إلى أين؟ فقلتُ إلى البلد والوطن بإذن أمير المؤمنين إن شاء الله، قال: قد أذنتُ لك وشكرت لك نصيحتك، وقبلتُها بقبولها، والله عز وجلّ هو الموفق للخير والمعين عليه وبه أستعين