وأخرجه مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد إلا أنه لم يذكر "فإن تركها من أجلي فاكتبوها حسنة، (١/ ١١٧). وأخرجه ابن منده في "كتاب الإيمان" من طريق الحميدي وغيره عن سفيان فذكر فيه هذه الجملة وقال "لفظ الحميدي رواه مالك والمغيرة بن عبد الرحمن وشعيب وورقاء". وأخرجه أحمد عن سفيان (٢/ ٢٤٢) والترمذي في التفسير (٥/ ٢٦٥ رقم ٣٥٧٣) وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (١١/ ٢٨٧) عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة به. (فائدة) قال الخطايي: محل كتابة الحسنة على الترك أن يكون التارك قد قدر على الفعل ثم تركه، لأن الإنسان لا يسمى تاركًا إلا مع القدرة، ويدخل فيه من حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع كان يمشي إلى امرأة ليزني بها مثلًا فيجد الباب مغلقًا ويتعسر فتحه، ومثله من تمكن من الزنا مثلًا فلم ينتشر أو طرقه ما يخاف من أذاه عاجلًا. وقال المازري: ذهب ابن الباقلاني ومن تبعه إلى أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن عليها نفسه أنه يأثم، وحمل الأحاديث الواردة في العفو عمن هم بسيئة ولم يعملها على الخاطر الذي يمرّ بالقلب ولا يستقر. وقال المازري: وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين ونقل ذلك عن نص الشافعي ويؤيده قوله في حديث أبي هريرة فيما أخرجه مسلم من طريق همام عنه بلفظ "فأنا أغفرهاله ما لم يعملها" فإن الظاهر أن المراد بالعمل هنا عمل الجارحة بالمعصية المهموم به. وتعقبه القاضي عياض بأن عامة السلف وأهل العلم على ما قال ابن الباقلاني لا تفاقهم على المؤاخذة بأعمال القلوب. لكنهم قالوا: إن العزم على السيئة يكتب سيئة مجردة لا السيئة التي هم أن يعملها. كمن يأمر بتحصيل معصية ثم لا يفعلها بعد حصولها فإنه يأثم بالأمر المذكور لا بالمعصية. ومما يدل على ذلك حديث "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه". والذي يظهر أنه من هذا الجنس، وهو أنه يعاقب على عزمه بمقدار ما يستحقه ولا يعاقب عقاب من باشر القتل حسَّا. =