قال النووي: وهذا ظاهر حسن لا مزيد عليه. وقد تظاهرت نصوص الشريعة بالمؤاخذة علي عزم القلب المستقر كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} (النور ٢٤/ ١٩) قوله {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} (الحجرات ٤٩/ ١٢) وغير ذلك. وقال ابن الجوزي: إذا حدث نفسه بالمعصية لم يؤاخذ، فإن عزم وصمم زاد على حديث النفس وهو من عمل القلب. قال والدليل عل التفريق بين الهم والعزم أن من كان في الصلاة فوقع في خاطره أن يقطعها لم تنقطع، فإن صمم على قطعها بطلت. وأجيب على القول الأول بأن المؤاخذة على أعمال القلوب المستقلة بالمعصية لا تستلزم المؤاخذة على عمل القلب بقصد معصية الجارحة إذا لم يعمل المقصود للفرق بين ما هو بالقصد وما هو بالوسيلة. وقسم بعضهم ما يقع في النفس أقسامًا يظهر منها الجواب عن الثاني، أضعفها أن يخطر له ثم يذهب في الحال، وهذا من الوسوسة وهو معفو عنه وهو دون التردد، وفوقه أن يتردد فيه فيهتم به ثم ينفر عنه فيتركه ثم يهمّ به ثم يترك كذلك ولا يستمر على قصده، وهذا هو التردد فيعفى عنه أيضًا. وفوقه أن يميل إليه ولا ينفر عنه لكن لا يصمم على فعله. وهذا هو الهمّ فيعفى عنه أيضًا. وفوقه أن يميل إليه ولا ينفر عنه لكن يصمم على فعله. فهذا هو العزم وهو منتهى الهمّ وهو على قسمين؟ القسم الأول: أن يكون من أعمال القلوب صرفًا كالشك في الوحدانية أو النبوة أو البعث فهذا كفر ويعاقب عليه جزمًا. ودونه المعصية التي لا تصل إلى الكفر كمن يحب ما يبغض الله ويبغض ما يحبه الله ويحب للمسلم الأذى بغير موجب لذلك. فهذا يأثم. وذهب كثير من العلماء إلى المؤاخذة بالعزم المصمم ثم افترق هؤلاء فقالت طائفة: يعاقب عليه صاحبه في الدنيا خاصة بنحو الهمّ والغمّ. وقالت طائفة: بل يعاقب عليه يوم القيامة لكن بالعتاب لا بالعذاب. (فتح الباري ببعض الاختصار ١١/ ٣٣٦ - ٣٣٨).
[٣٣١] إسناده: حسن. • أبو الجواب هو الأحوص بن جواب، صدوق من رجال مسلم. وكذا عمار بن رُزيق، أبو الأحوص.