للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أجهل منك، ادخل فما على أبي من حاجب. وإنما الحجاب على أبواب الملوك وأبناء الملوك، فبهت متعجبًا من قولها، ثم دخلت ودخلت معها وإذا دار قوراء (١) ليس فيها إلا بيت صغير، فدخلت البيت، فإذا أنا برجل قد نحل من غير سقم، وقد احتفر قبرًا عند رجليه، وقد دلى رجليه فيه، وفي يده خوص يشقه وهو يتلو هذه الآية: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (٢).

بصوت حزين فسلمت عليه فرد علي السلام وقال: أمن إخواني أنت؟ قلت نعم ولست من أهل البصرة ولا من أهل عبادان. قال: فمن أين أنت؟ قلت من أهل الكوفة، قال: فما اسمك؟ قلت محمد بن السماك. قال: لعلك الواعظ؟ قلت: نعم، قال فأخذ يدي بيديه جميعًا ثم قال لي: مرحبًا وحياك الله يا أخي بالسلام ومتعني وإياك في الدنيا بالإخوان يا أخي ما زالت نفسي متطلعة إلى لقائك تحب أن تعرض داءها على دواءك، أعلمك يا أخي أن بي جرحًا قديمًا قد أعيا المعالجين قبلك، فتأتاه برفقك، وألصق عليه ما تعلم أنه يلائمه من مراهمك قال: فعلمت أن الرجل يريد أن أعظه، فقلت: يا أخي وهل يداوي مثلي مثلك؟ وجرحي أنغل (٣) من جرحك، وذنبي أعظم من ذنبك. فقال: سألتك باللهِ إلا ما وعظتني فقلت له: يا أخي قد علمت أن ذنبك الذي أذنبت لم يمح، وأن لذاذتك لم تبق، وأن الموت يطلبك صباحًا ومساءً وأنك تصير غدًا إلي ضيق اللحود وظلمة القبور، ومسألة منكر ونكير، فلما قلت له ذلك شهق شهقة خر في قبره يخور كما الثور إذا وجئ في منحره، وأقبلت امرأته وابنته تبكيان من وراء الحجاب وتقولان: سالناك بالله لا تزده شيئًا فتقتله علينا.

فأفاق فقال: يا أخي قد وافق دواؤك دائي، ولصق مرهمك بجرحي، أخي ابن السماك! زدني.

فقلت له: يا أخي! إن أهلك وولدك قد حلفوني أني لا أزيدك شيئًا فاقبل عليهم وقال: اعلم يا أخي أنه ليس أحد أشد علي وبالًا ولا أعظم جرمًا مني إذا وقفت بين يدي ربي- من أهلي وولدي.


(١) دار قوراء: واسعة الجوف كبيرة.
(٢) سورة الجاثية (٤٥/ ٢١).
(٣) وفي (ن) "أثقل". وهو خطأ. و"أنغل" من نغل الجرح: إذا فسد.

<<  <  ج: ص:  >  >>