للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالوا: فَمَعْنَى قَوله: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) أي: قَابِضُك مِنْ الأرْض حَيًّا إلى جِوارِي، وآخِذُك إلى مَا عِنْدِي بِغَير مَوت، ورَافِعُك مِنْ بَين الْمُشْرِكِين وأهْل الكُفْرِ بك.

وقَول آخَرين: مَعْنَى ذلك: إنِّي مُتَوفِّيك وَفَاة مَوْت.

وقَول آخَرِين: مَعْنَى ذلك: إذْ قَال الله يا عِيسى إني رَافِعُك إليَّ ومُطَهِّرُك مِنْ الذين كَفَرُوا، ومُتَوَفِّيك بَعد إنْزَالي إيّاك إلى الدُّنْيا.

وقَالوا: هَذا مِنْ الْمُقَدَّم الذي مَعْناه التَّأخِير، والْمُؤخَّر الذي مَعْناه التَّقْدِيم.

ثم ذَكَر ابن جرير القَول الرَّاجِح عنده، فقال:

وأوْلى هذه الأقْوال بالصِّحَّة عِنْدَنا قَول مَنْ قَال: مَعْنَى ذلك: إني قَابِضُك مِنْ الأرْض ورَافِعُك إليَّ؛ لِتَواتُر الأخْبَار (١) عن رَسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قَال: يَنْزِل عِسى ابن مَريم فيَقتُلُ الدَّجَّال، ثم يَمْكُث في الأرْض مُدَّة - ذَكَرَها، اخْتَلَفَتِ الرِّواية في مَبْلَغِها - ثم يَمُوت، فيُصَلِّي عليه الْمُسْلِمُون ويَدْفُنُونَه (٢).

وممن قال بالتقديم والتأخير: أبو الليث السمرقندي، فإنه قال: قوله تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) ففي الآية تقديم وتأخير، ومعناه: إني رافعك من الدنيا إلى السماء ومتوفيك بعد أن تَنْزِل من السماء على عهد الدجال (٣).


(١) سبقت الإشارة إلى الحديث، وهو مُخرَّج في الصحيحين.
وقال ابن عطية: وأجْمَعَت الأمّة على ما تَضَمَّنه الْحَدِيث الْمُتَواتِر من أنَّ عيسى عليه السلام في السَّمَاء حَيّ، وأنه يَنْزِل في آخِر الزَّمان؛ فيَقْتُل الْخِنْزِير، ويَكْسر الصَّليب، ويَقْتُل الدَّجَّال، ويَفِيض العَدْل، ويُظهِر هذه الملة مِلّة محمد، ويَحُجّ البيت ويَعْتَمِر، ويَبْقَى في الأرْض أرْبَعًا وعِشْرِين سَنة، وقيل: أربعين سَنة، ثم يُمِيتُه الله تعالى.
(المحرر الوجيز ١/ ٤٤٤).
ويُنظر لذلك: كتاب "قصة المسيح الدجّال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام"، محمد ناصر الدين الألباني، فقد أثْبَت تَواتُر الرِّوايات بِنُزُول عِيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، خِلافًا لمن زَعَمَ أنها أحَادِيث آحَاد، فَنَفَاها! ويُنْظَر أيضًا كتاب "أشراط الساعة"، عبد الله بن سليمان الغفيلي.
(٢) جامع البيان، مرجع سابق (٥/ ٤٤٧ - ٤٥١) بتصرّف.
(٣) بحر العلوم، مرجع سابق (١/ ٢٤٣).

<<  <   >  >>