للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأجَاب السمعاني عن سُؤال قد يَنْشَأ: ما مَعْنى التَّوَفِّي وعِيسى في الأحْيَاء؟ فَقال: فيه أقْوال:

قال الْحَسَن البَصْري: مَعْنَاه: إني قَابِضُك مِنْ الأرْض. وهو صَحِيح عند أهْل اللغَة فيُقَال: تَوَفّيتُ حَقّي مِنْ فُلان، أي قَبَضْتُ.

وقال الفرّاء: فِيه تَقْدِيم وتَأخِير، وتَقْدِيره: إن رَافِعُك إليّ ومُتَوفِيك، أي بَعْد النُّزُول مِنْ السَّمَاء.

ثم قال: وهذا التَّقْدِيم والتَّأخِير الذي ذَكَرْنا في الآية مَحْكِيّ عن ابن عباس، ولَه قَول آخَر: أنَّ الآية على حَقِيقَة الْمَوت، وأنَّ عِيسى قد مَات، ثم أحْيَاه الله تَعالى ورَفَعَه إلى السَّمَاء.

قال وهب بن منبه: أمَاتَه الله ثَلاث سَاعات مِنْ النَّهَار ثم أحْيَاه الله ورَفَعه إليه.

وقال الرَّبيع بن أنس: التَّوَفِّي هو النَّوم، وكان عِيسى قد نَام فَرَفَعَه الله نَائمًا إلى السَّمَاء.

ثم أشَار إلى الرَّاجِح فَقَال: والْمَعْرُوف القَولان الأوّلان (١).

واسْتَدَلّ الثعلبي بآيات أُخَر على مَعْنَى التَّوَفِّي، فَقَال:

اخْتَلَفُوا في مَعْنَى التَّوَفِّي ههنا:

فقال كعب والْحَسَن والكَلبي ومَطر الورَّاق ومحمد بن جعفر بن الزبير وابن جريج وابن زيد: مَعْنَاه: إني قَابِضُك ورَافِعُك مِنْ الدُّنيا إليَّ مَنْ غَيْر مَوت. يَدُلّ عليه قَوله: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) [المائدة: ١١٧]، أي: قَبَضْتَنِي إلى السَّمَاء وأنا حَيّ؛ لأنَّ قَومَه إنَّمَا تَنَصَّرُوا بَعْد رَفْعه لا بَعْد مَوتِه.

وعلى هذا القول للتَّوَفِّي تَأويلان:


(١) تفسير القرآن، مرجع سابق (١/ ٣٢٣، ٣٢٤).

<<  <   >  >>