للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحَدُهما: إني رَافِعُك إليَّ وَافِيًا لن يَنَالُوا مِنك. مِنْ قَولِهم: تَوَفَّيتُ كذا واسْتَوفَيته، أي أخَذْته تَامًّا.

والآخر: إني مُسَلِّمُك. مِنْ قَولِهم: تَوَفَّيت مِنه كَذا أي سَلَّمْته.

وقال الرَّبيع بن أنس: مَعْنَاه أني مُنِيمُك ورَافِعُك إليّ مِنْ قَومِك. يَدُلّ عليه قوله: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) [الأنعام: ٦٠]، أي: يُنِيمكم؛ لأنَّ النَّوم أَخو الْمَوت، وقوله: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) [الزمر: ٤٢].

ورَوى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: إني مُمِيتُكم، يَدُلّ عليه: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) [السجدة: ١١] وقوله: (وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) [يونس: ٤٦]، وله على هذا القول تأويلان:

أحَدهما: ما قال وَهْب (١) تَوَفَّى الله عِيسى ثَلاث سَاعَات مِنْ النَّهار، ثم أحْيَاه ورَفَعَه.

والآخَر: ما قَاله الضَّحَّاك وجَمَاعَة مِنْ أهْل الْمَعَاني: إنّ في الكلام تَقْديمًا وتَأخِيرًا.

مَعْنَاه: إني رَافِعُك إليَّ ومُطَهِّرُك مِنْ الذين كَفَرُوا ومُتَوفِّيك بَعْد إنْزَالِك مِنْ السَّمَاء، كَقَوله عَزَّ وَجَلّ: (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى) [طه: ١٠٩]

وقال الشاعر:

ألا يا نَخْلَة مِنْ ذاتِ عِرْق عَليك ورَحمة الله السَّلام

أي عليك السلام ورحمة الله

وقال آخر:

جَمَعْتَ وَعَيْبًا نَخْوَة ونَمِيمَة ثلاث خِصَال لَسْن من تَرعوي

أي: جَمَعْتَ: نَخْوة ونَميمة وعيبًا (٢).


(١) يعني: ابن مُنَبِّه.
(٢) الكشف والبيان، مرجع سابق (٣/ ٨٠ - ٨٢)، وهو في "معالم التنْزيل" (١/ ٣٠٨).

<<  <   >  >>